تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بمعاقبة إرهابيي ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، قائلًا إنه سيفعل كل ما هو ضروري لملاحقة من يؤذون الأميركيين!
ومثل هذه التصريحات التي تصدر عن المسؤولين الأميركيين كثيرة وبالتالي ليست جديدة، بل إنها مستهلكة بمقارنة هذا النوع من التصريحات مع أدوار السياسة الأميركية بشكل عام في العالم وارتكازها على التدخلات الفظة والمرفوضة جملةً وتفصيلًا في الشؤون الداخلية للدول، ورعايتها الجماعات المسلحة التي تمارس الإرهاب، ودعمها للمعارضات بل ومحاولة إيجادها معارضات من العدم ضد دول وأنظمة وحكومات على النحو الممجوج والماثل في المنطقة وفي أوروبا وأميركا اللاتينية وفي شبه الجزيرة الكورية والصين وغيرها من بقاع العالم، فقد اعتادت شعوب العالم وخاصة شعوب منطقتنا على مثل هذه التصريحات التي تكون عادة موجهة إلى الداخل الأميركي لبناء رأي عام أميركي، وتدفع إلى إطلاقها أهداف تتصدر أولويات السياسة الأميركية، وبالتالي يتوجه المسؤولون الأميركيون إلى الشعب الأميركي لوضعه في صورة تلك الأهداف لبناء أرضية تسمح بذلك والتحرك نحو مراكز الاستهداف.
وفي الحقيقة يمكن القول إن إدارة أوباما نجحت في الاستدارة والعودة إلى المنطقة تحت عنوان "ملاحقة الإرهابيين الذين يؤذون الأميركيين"، بعد ما تمكنت من زلزلة الأميركيين بمقطع الفيديو الذي يظهر قطع رأس الصحفي الأميركي جيمس فولي، حيث كان تمهيدًا ملائمًا ـ رغم إدانتنا لقتل الأبرياء أو المتاجرة بحياتهم وحقوقهم ـ بإظهار أركان الجريمة (الضحية أميركي والفاعل بريطاني)، وملاحقة الفاعلين في أماكن وجودهم في العراق وسوريا.
إن ذلك ليس تجنيًا أو ضربًا بالودع أو قراءة في فنجان، وإنما يرتكز على الأدوار المدمرة التي لعبتها السياسة الأميركية ومارستها ضد شعوب العالم وشعوب المنطقة بدءًا بغزوها العراق وجرها إليه المآسي وصنوف الجرائم والإرهاب، وانتهاءً بما يسمى زورًا "الربيع العربي" ودعمها جماعات إرهابية متطرفة واتخاذها جيوشًا تحارب بالوكالة دول المنطقة وفي مقدمتها سوريا، تارة تحت عنوان "مساعدات عسكرية غير قاتلة"، وتارة الإعلان عن مئات الملايين من الدولارات تحت عنوان "دعم المعارضة المعتدلة"، وتارة أخرى تحت عنوان "تغيير الموازين على الأرض".
ولذلك لم يكن ما يسمى "داعش" و"جبهة النصرة" و"الجبهة الإسلامية" و"الجيش الحر" وغيرها، سوى إفرازات مباشرة لعناوين التدخل السالفة الذكر لاستنزاف ثروات دول المنطقة وإضعاف جيوشها وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية وتأجيج العداوات بين مكونات المجتمعات العربية لقطع نسيجها لتسهيل نجاح مشروع التفتيت والتدمير للمنطقة. ولو كان الأمر عكس ذلك لبرزت الجدية المعبرة عن المصداقية وحسن النيات فيما يطلقه المسؤولون الأميركيون من تصريحات من خلال تسليح الجيش العراقي وليس الأكراد وحدهم، والتعاون مع سوريا المكتوية بنيران المؤامرة الإرهابية. ولهذا ما يجري من تدخلات وما يطلق من تصريحات بعيد كل البعد عن حقيقة مكافحة الإرهاب وضرب بناه التحتية وقطع الدعم عنه، بل إن ما يتم الآن هو عملقة ما يسمى "داعش" وتوحشه، واستخدامه وسيلة ابتزاز وترهيب لدول المنطقة خاصة تلك التي تقف على مسافة بعيدة من الولايات المتحدة. ولذلك لا أحد يؤذي الأميركيين سوى سياسة بلادهم القائمة على التدخل في الشؤون الداخلية للدول.