[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
حسب منظوره هذا، يذهي كارلايل إلى أن البطل التاريخي لا يمكن أن يظهر، أو أن يكون قط، دون توافق تاريخي نادر للغاية إذ يتوافق ظهور البطل مع وجود شعب بطولي، بمعنى أن المعادلة الصانعة للتاريخ لا تكتمل دون توازن جناحيها: (1) البطل الفرد؛ و(2) الجمهور البطولي: إذ يشكل الأول "القدحة" التي تلهب الأمة فتستخرج مكامن البطولة الجماعية فيها..

إذا ما راجع المرء أوضاع الشعوب العربية، دولة فدولة، فإنه لا بد أن يخرج بخلاصة مفادها أن هناك "أزمة سلطة" عبر العديد من الأقطار العربية، بدليل ما جرى واليوم من "بحث عن مركز سلطة" حكيم وبعيد النظر، وقادرا على معالجة أمراض مجتمعة بحزم لا يخلو من المحبة. بل كانت، كما أزعم هنا، عبر العديد من الدول العربية من أوجه هذا البحث المضني عن هذا النوع من السلطة الفذة.
وإذا كانت "نظرية البطل" التي أبدعها توماس كارلايل Carlyle، خاصة في كتابه المهم (حول الأبطال وعبادة الأبطال والبطولي في التاريخ) (On Heroes) قد انتقى عددا من الأبطال، عادا إياهم أبطالا تاريخيين، فإنه تمكن في ذات الوقت من رسم صورة للبطل التاريخي بسماته الفريدة والنادرة، منتقيا الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) كثاني نموذج عظيم.
حسب منظوره هذا، يذهي كارلايل إلى أن البطل التاريخي لا يمكن أن يظهر، أو أن يكون قط، دون توافق تاريخي نادر للغاية إذ يتوافق ظهور البطل مع وجود شعب بطولي، بمعنى أن المعادلة الصانعة للتاريخ لا تكتمل دون توازن جناحيها: (1) البطل الفرد؛ و(2) الجمهور البطولي: إذ يشكل الأول "القدحة" التي تلهب الأمة فتستخرج مكامن البطولة الجماعية فيها، أما إذا لم تحدث هذه "القدحة" أو الشذرة التاريخية النادرة، فيمكن للشعب البطولي أن يأتي ثم يتلاشى بعد جيل أو أكثر فتذهب بطولته الكامنة، بلا قدحة، سدى، هباءً منثورا، بلا توجيه ولا استثمار من القائد التاريخي الحق.
إن هذا البطل التاريخي المقصود، ينتظر عبر الزمن لحدوث التوافق النادر أعلاه في لحظة تاريخية قل مثلها، بينما يستقبل الجمهور البطولي البطل التاريخي وكأنهما قد شكلا تلاقيا وتلاقحا إبداعيا، لا يمكن إلا أن يفجّر طاقات الأمة وقدراتها الكامنة والمنظورة.
هذا، بدقة، حسب كارلايل، هو الذي حدث في اللحظات الحاسمة في التاريخ وتغيير مسيرته: لذا، لم تكن "أيام العرب الذهبية" لتتحقق دون استقبال القبائل التي لا تلتوي لمن هو قادر على ليّها، أي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
كما يمكن أن تذهب الطاقات البطولية هدرا، إذا لم تستجب البطولة الجماعية للبطولة الفردية، فتقدم الأولى الفرصة التاريخية للثانية ما يؤهلها لعمل المعجزات من ذات الجنس النادر.
أما حين يعتقد البعض بأنه قادر على البطولة والقيادة التاريخية بالغريزة (أي، منذ الولادة)، فإنه يمكن أن يكون واهما عندما لا يفكر إلا بنفسه، وعندما يخفق في المحافظة على التوازن بين الذاتي والعام. هو لديه قدرة على تجاوز الصغائر وعلى التسامح، إضافة على المحافظة على توازي القوة والقسر، من ناحية، والإقناع والتفاهم، من الناحية الأخرى. هو إنسان يستطيع أن يمد بصره إلى نقطة أبعد من النقطة التي تقف عليها قدميه، فيسمي العسكريون هذا الموضوع بــ"تقدير الموقف"، الذي يتطلب الاعتزاز بالمعية بذات الطريقة التي يعتز بها الضابط بأبنائه في الوحدة العسكرية التي يقودها، كعائلة.