[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
رغم مشاركة الأقباط في ثورة 25 يناير ونشر الصورة الشهيرة لقسيس يصب الماء على يد متظاهر مسلم ليتوضأ في ميدان التحرير, وإقامة القداس قبل صلاة الجمعة طوال أيام الاعتصام في ميدان التحرير, إلا أن حادث ماسبير واتهام عناصر مدسوسة بين الأقباط بمحاولة الاعتداء على قوات الجيش أحبط أحلام المسيحيين في الحصول على مكاسب من الثورة.

حالة من الحزن والسخط الشديد تسيطر على الأقباط في مصر عقب الاعتداء الغاشم الذي تعرضت له ثلاث حافلات كانت تقل أقباطا قادمين من محافظة سوهاج لزيارة دير الأنبا صموئيل بمدينة مغاغة شمال غرب محافظة المنيا بصعيد مصر, وامتد الغضب هذه المرة إلى الحكومة التي اتهمها الأقباط بالتقصير في حمايتهم, لأن الحادث وقع في نفس المكان الذي سبق وتعرضت فيه حافلة تقل أقباطا في شهر مايو 2017م, لهجوم قتل فيه 28 قبطيا وأصيب 24 آخرون بنفس الكيفية ونفس التوقيت (ظهيرة يوم الجمعة).
وعقب هجوم 2017م قامت القوات الجوية المصرية بتوجيه ضربة جوية مركزة في العمق الليبي استهدفت معسكرات التنظيمات الإرهابية في مدينة درنة, بعد التوصل لمعلومات بأن وراء الحادث هشام العشماوي الضابط الهارب من الجيش المصري المنضم لـ"داعش" والذي ألقى الجيش الليبي القبض عليه مؤخرا بمدينة درنة واعترف بالتخطيط وتنفيذ هذه الجريمة انطلاقا من الحدود الغربية مع ليبيا.
بعد الحادث الأول تم غلق الطريق الرئيسي المؤدي إلى الدير ومنع الزيارة إلا بتصريح من الأمن ـ في أضيق الحدود ـ حتى يوفر قوات تصاحب الزائرين في طريق الذهاب والعودة, ورغم ذلك لم تنقطع زيارات المسيحيين للدير رغم المخاطر المحدقة بالزيارة, بسبب أهمية الدير الدينية والتاريخية للمسيحيين؛ كونه المكان المفضل الذي يقصده الأقباط لتعميد أطفالهم في مغطس الدير الذي أنشئ منذ حوالي ألفي سنة والذي يتم في يومي الجمعة والأحد من كل أسبوع.
وفي معرض وصفها للحادث قالت السلطات الأمنية المصرية, إن الحافلات الثلاث التي تعرضت للاعتداء سلكت طرقا ومدقات جبلية بعيدا عن أعين الشرطة للوصول للدير دون الحصول على تصاريح من الأمن, وأن المنطقة الموجود بها الدير يصعب تأمينها على مدار الساعة لصعوبة الاتصالات وإحاطة الجبال والصحاري الوعرة بها واتصالها بالحدود الليبية عبر مدقات صحراوية تختبئ فيها الجماعات الإرهابية لتنطلق منها لتنفيذ عمليات تخريبية في العمق المصري.
وأكد الأمن أن الحادث الأخير يختلف عن سابقه؛ حيث تم إطلاق النار هذه المرة بطريقة عشوائية على الحافلات بينما تم في الحادث الأول إيقاف الحافلة والصعود إليها وإطلاق النار مباشرة على الضحايا.
واستطاعت حافلتان في الحادث الأخير الهروب من كمين الإرهابيين الذين اكتفوا بإطلاق الرصاص على الحافلات من الخارج, مما يشير كما يقول الأمن المصري أن الحادث وقع صدفة دون تخطيط مسبق عندما وجد الإرهابيين الثلاث حافلات قادمة من اتجاه الدير في طريقهم فقرروا القيام بالعملية.
واختيار الجماعات المتطرفة الأقباط أهدافا لهجماتهم المتوالية ليس صدفة أو أمرا حديثا, فكلنا نتذكر حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية عشية الاحتفال برأس السنة الميلادية في 1 يناير 2011م, قبل أيام قليلة من اندلاع ثورة 25يناير, وزعم البعض ضلوع حبيب العادلي آخر وزير داخلية لمبارك في الحادث بالتعاون مع أحد المعتقلين المفرج عنهم من الجماعات المتطرفة, ردا على تصاعد احتجاجات الأقباط في مصر والمهجر ومعارضة البابا شنودة لنظام مبارك واتهامه بالاضطهاد والتمييز ضد المسيحيين, بينما أعلن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين مسؤوليته عن الحادث ردا على حبس السلطات المصرية لكاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين المسيحيتين اللتين أعلنتا إسلامهما وهربتا من أسرتيهما وطلبتا الحماية من الأمن, وتسبب هروبهما في ثورة عارمة في صفوف الأقباط.
ورغم مشاركة الأقباط في ثورة 25 يناير ونشر الصورة الشهيرة لقسيس يصب الماء على يد متظاهر مسلم ليتوضأ في ميدان التحرير, وإقامة القداس قبل صلاة الجمعة طوال أيام الاعتصام في ميدان التحرير, إلا أن حادث ماسبير واتهام عناصر مدسوسة بين الأقباط بمحاولة الاعتداء على قوات الجيش أحبط أحلام المسيحيين في الحصول على مكاسب من الثورة.
ومع صعود تيار الإسلام السياسي ازداد خوف الأقباط من المستقبل, بعد تصريحات قادة الجماعات المتطرفة عن دفع الجزية ومنع بناء الكنائس وتحريم شغل الأقباط للمناصب المهمة بالدولة, وانتهى الأمر بتأييد الأقباط للمرشح الرئاسي الفريق أحمد شفيق ضد المرشح الإسلامي الرئيس الأسبق محمد مرسي.
وبعد أحداث 30 يونيو 2013م, وجلوس البابا تواضروس إلى جانب شيخ الأزهر في الاجتماع الشهير الذي انتهى بعزل محمد مرسي, تحول الأقباط إلى طرف في المعادلة السياسية من وجهة نظر قيادات الإسلام السياسي الذين حرضوا ضد الأقباط عقابا لهم على موقفهم المؤيد للجيش, ووجدوا فيهم الحلقة الأضعف التي يستطيعون التنكيل بهم, لسهولة الوصول إلى كنائسهم المتداخلة في الكتلة السكنية؛ حيث لم تعرف مصر الفصل بين أتباع الديانات المختلفة ولا يوجد بها أحياء خاصة بالأقباط أو أماكن خالية منهم.
وتوالت الاعتداءات والتخريب والسلب والنهب لممتلكات الأقباط واستهداف أماكن عبادتهم خصوصا في قرى ومدن الصعيد, وامتدت أيادي الإرهاب إلى الأقباط العاملين في ليبيا؛ حيث تم ارتكاب مذبحة بشعة ضدهم مصورة على شاطئ المتوسط.
رغم الضغوط التي تمارس على البابا تواضروس من قبل أهالي الضحايا والشباب القبطي الذي يحمل الحكومة المسؤولية عن أحداث العنف المتكررة ضدهم, ويطالبون الحكومة بتوفير الحماية الكافية لأماكن عبادتهم وجعلهم يعيشون بأمان في وطنهم ـ يحسب للكنيسة المصرية تمسكها بالوحدة الوطنية وعدم الاستجابة لدعوات الاستقواء بالخارج, كما حدث في السابق, والتأكيد على ثقتها في الدولة والجيش المصري بأنه قادر على حماية الأقباط وإعادة حقهم والقصاص من المجرمين.