[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
مؤسف, أن الدول العربية لم تحرك ساكنا في الرد على تصريحات وخطوات الرئيس البرازيلي, الذي يتجاهل العالم العربي بأكمله, فيتخذ موقفا إسرائيليا بامتياز من القضية الفلسطينية, ضاربا أيضا عرض الحائط بالجالية العربية في البرازيل, رغم وجود عدد كبير في مجلس النواب من ذوي الأصول العربية ممن لا يشاركون في أنشطة!
د. فايز كاتب فلسطيني
سارع الرئيس البرازيلي المنتخب جايير بولسونارو فور فوزه للإعلان عن نقل سفارة بلاده في دولة الاحتلال الإسرائيلي من تل أبيب إلى القدس المحتلة, واصفا دولة الاحتلال بأنها "دولة تتمتع بالسيادة, وعلينا أن نحترم ذلك"! إن نجاح هذا المرشح جاء بعد فوزه على مرشح حزب العمال البرازيلي فرناندو حداد, الذي رشَّحه دا سيلفا بعد أن حيل بين الأخير وخوض الانتخابات الرئاسية, والذي كانت استطلاعات الرأي تؤكِّد فوزه, والذي حرمَته المحكمة العليا البرازيلية من الترشح بذريعة اتهامه بالفساد, تماما كما كان تم إقصاء وريثته الرئيسة ديلما روسيف عن منصِبها. ذلك, بتواطؤ أطراف وتشكيلات اليمين الفاشي الكبرادوري في البرازيل, الذي أسهم في إقصاء لولا, مانِحا فرصة ثمينة للمرشح اليميني المتطرف, الذي قال في إحدى المقابلات التلفزيونية خلال حملة ترشيحه التي لاقت دعما غير محدود من قبل الولايات المتحدة ودولة الكيان الإسرائيلي وخصوصا زعماء اليمين الفاشي في أوروبا: "إن الخطأ الرئيسي للنظام الديكتاتوري السابِق هو عدم قتل المزيد من الناس". متعهدا بإغلاق مجلس النواب البرازيلي (الكونجرس) في نفس اليوم الذي يتم انتخابه فيه رئيسا.
معروف أن بوليسارو مسيحي أنجليكاني, وبذلك يقترب في أطروحاته من الرئيس ترامب, ولذا فإنه من أكبر المؤيدين لدولة الاحتلال الإسرائيلي من منطلقات دينية, وهو أعلن نيته فور فوزه إغلاق السفارة الفلسطينية في البرازيل, مبررا ذلك القرار العدواني "بأن فلسطين لا تمثل دولة". مع العلم أنه كان قد زار دولة الكيان قبل شهر من انتخابه. لقد قام كاتب هذه السطور من قبل, وعلى صفحات "الوطن" بتحية البرازيل وشعبها والرئيسة روسيف, المرأة الشجاعة التي اتخذت قرارا غير مسبوق شكل صفعة مدوية لقادة الاحتلال الإسرائيلي عندما سحبت سفيرها من تل أبيب, واصفة عدوان "الجرف الصامد" الذي شنّه جيش الاحتلال على قطاع غزة عام 2014 بأنه مَجزرة, ما دفع الخارجية الإسرائيلية إلى وصف القرار البرازيلي المنتصر للقضية الفلسطينية بأنه "تجسيد مؤسف للسبب الذي يجعل البرازيل, العِملاق الاقتصادي والثقافي, بأن يبقى قزما دبلوماسيا. لقد رفضت الرئيسة روسيف في حزم اعتماد داني ديّان سفيرا لدولة الاحتلال, بسبب دوره والموقِع الذي تولاه كأمين عام لمجلس المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية, ما أثار غضب نتنياهو وسخطه, ولهذا نراه الآن (فرحا ومزهوا), وقد ترجم ذلك ببرقية التهنئة الحارّة التي بعث بها إلى بوليسارو.
لم يتردد بوليسارو, وفي لغة مبتذلة, ببذل وعد بإلقاء منافِسه اليساري في الانتخابات الرئاسية في السجن بعد فوزه بالانتخابات قائلا: "إن حزب العمال, هؤلاء التافِهون الحُمر, سيتم منعهم من وطننا", بالتالي فالوطنية عنده وفق معايير فاشية, تقول حتى داخل البرازيل تماما كما كان قد حدّده جورج بوش الابن في سياسته الخارجية: "من ليس معنا فهو ضدنا", وهنا تكمن خطورة التيار الأنجليكاني الآخذ في الصعود والاستحواذ على الحكم والفضاء الإعلامي في العالم, وبخاصة في أوروبا وأميركا اللاتينية, حيث الخطاب العنصري هو المتقدّم! رافعا شعارات تحط من النساء والسود, ويقول بوليسارو: إنه سيحكُم البلاد وفق الكتاب المُقدّس والدستور, على نحو يشير إلى احتمال قيام "دولة دينية", على أساس أيديولوجي أنجليكاني مسيحي متناغِم مع الصهيونية وخطابها العنصري.
مؤسف, أن الدول العربية لم تحرك ساكنا في الرد على تصريحات وخطوات الرئيس البرازيلي, الذي يتجاهل العالم العربي بأكمله, فيتخذ موقفا إسرائيليا بامتياز من القضية الفلسطينية, ضاربا أيضا عرض الحائط بالجالية العربية في البرازيل, رغم وجود عدد كبير في مجلس النواب من ذوي الأصول العربية ممن لا يشاركون في أنشطة! للأسف فإن نفوذ تلك غير محسوس في البرازيل, كما مشاركتها في مجالس الولايات, ورغم حضورها في كافة المستويات السياسية في المجالس المحلية والمجالس الفيدرالية, مما يدلل على أن هناك ضَعفا بالغا في التنسيق بين مجموعات البرلمانيين العرب والمنظمات العربية أو الإسلامية في المجتمع المدني, فضلا عن غياب ذلك التنسيق بين تلك المنظمات والجالية العربية نفسها.