[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
مثلما يطيح التسويف والإهمال والانتظارات السائبة بالعديد من التوجهات، وتكون حجر عثرة بشكل عام، كذلك يطيح التهور والاستسهال والعجالات بتلك التوجهات، ويدفع بهدف استقطاع زمن مهم وإهماله، في حين كان ينبغي أن يرصد للتأني والمراجعة وحساب الكلفة المادية والنفسية.
إنني إذ أقول بذلك فإنني أرجو أن لا يعتقد القارئ الكريم أنني أسعى لأن أعقد المشهد عليه، فالأمر يحتاج فقط إلى محاكمة ذهنية بالدرجة الأولى، مع حساب أن ذلك يمكن أن يعطي مردودات إيجابية أو عكسها تماما.
إن مثل ذلك يصلح في التشخيص للعديد من القضايا الحياتية حتى وإن كانت على قاعدة مساومة ومراجعة بين الربح والخسارة، وبذات الاتجاه تكون سببا جاهزا للفشل والاختناقات، وعندها لا ينفع التكابر أو التغطية أو الأعذار الواهية وتعليق المسؤولية على آخرين كمداخل للمعالجة، فهي على العموم لن تكون معالجة حقيقية مبنية على مجموعة من العوامل الداعمة.
إن الترقيع والتفاطن والتعجيل الساذج يمكن أن تكون خرائط عمل، لكنها خرائط قائمة على تبديد الطاقة واستخدام ما هو مطلوب من حماسة، لكنها حماسة طارئة تخمد بعد حين.
إن كل الذين لا يستندون في توجهاتهم على الأسبقيات يقعون في هذا الإشكال، ومن الملاحظ أنهم يميلون إلى استخدام البذاءات اللغوية لرد المظلومية التي وقعت عليهم رغم أنهم السبب الأساسي في كل الذي حصل.
وإزاء ذلك إن الحد الفاصل بين التسويف وما يتضمن من تسيب، والتهور بما يملك من صرامة وتعجل غير طبيعي هو الحد الذي يمكن التعويل عليه في رسم توجهات على درجة من الموضوعية والفطنة والتواصل الطبيعي مع الواقع، أما المقياس اللازم للعثور على هذا الحد فيكمن باستخدام الدليل العقلي والمصالح المشروعة والطرح الموضوعي الأمين على المستقبل وليس العكس.
لقد ثبت بأدلة واقعية أن الاهتراء والهدر يكثران ويتغذيان في الوسطين المتناقضين اللذين أشرنا إليهما، ومقابل هذا إن الدول التي تعتمد التدرج في بنائها السياسي والاقتصادي تمتلك ناصية القدرة على متابعة شؤونها ومواجهة الطوارئ بكل ثقة، في حين يحدث العكس، إذ يسود الارتباك عندما يكون التهور وما يرافقه من اعتداد زائد هو القاسم المشترك للحالة السائدة، ولي هنا أن أتوقف عند السياسات التي يعتمدها الآن الرئيس الأميركي ترامب وما صنع من حاشية تروج له من دون أية مراجعة ذكية لنتائج وخيمة متوقعة.
صحيح أن الرئيس ترامب خلق وظائف للعاطلين الأميركيين، وقلل من معدلات التضخم، وسعى إلى تقليص حجم المديونية الحكومية، إلا أنه بالمقابل صنع توترات غير مقبولة قد تفقد الولايات المتحدة فرص المنزلة التي كانت تتمتع بها، فلقد تسبب في ضياع شراكات إقليمية ودولية هي جزء أساسي من المشهد العالمي العام الذي قامت عليه العلاقات الدولية بعد الخروج من كارثة الحرب العالمية الثانية، وما تأسس من مقاصد نبيلة تضمنها الميثاق الدولي العتيد.
ولي أيضا (نموذج) آخر يرتبط بالاهتراء الذي تعاني منه بعض مؤسسات الدولة اللبنانية واستمرار ارتفاع وتيرة الدين العام ليتجاوز ٦٦ مليار دولار، مع إهمال المحاسبة الجدية، في حين أن نصف هذه المديونية جاء من التسيب والتأجيل والمناورات لإصلاح المنظومة الكهربائية والخدمات الأخرى، وهكذا أيضا، ما يحصل في العراق يشابه لما يحصل في أية دولة ينخرها الفساد والحصصية و(تجزئة) الوقت بالانتظار.
نحن الآن عالميا أمام (منظومات) غير مسبوقة لجدلية التسيب والتهور والعجالات وتضخيم الذات السياسية، وتلك من علامات الفوضى وعدم التحسب.