لقد بلغت الأصوات في العربية من الوفرة والتفصيل والتنوع مبلغاً يبعث على التأمل والاستغراب ، فهناك فصول معقودة في كتب اللغة على حكايات الأصوات ، وفصول معقودة على ترتيب الأصوات الخفية والأصوات الشديدة ، وأصوات النداء والدعاء وأصوات الحركات والأصوات التي لا تُفْهَم ... وهناك أصوات خُصِّصَت للمرضى والنائمين ولأعضاء جسم الإنسان وللحيوانات بأنواعها وللماء والريح والنار وغيرها من مظاهر الطبيعة الحية. ويرجع السبب في هذه الكثرة وذلك التنوع في الأصوات ومسمياتها في العربية إلى أن إحدى نظريات نشأة اللغة ترى أن أصل اللغة " أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" ، أو أن أصلها محاكاة لأصوات الطبيعة ، فمن أمثلة ما ورد في كتب اللغة من حكاية أصوات المكدودين : الأَحيح والأُحاح ، وهو صوت يخرجه توجّع أو غمّ. والهَمْهَمَة ، وهو صوت يخرجه تردّد الزَّفير في الصَّدْر من الهَمّ والحُزْن. والزَّحِير ، وهو إخراج النَّفْس بأنين عند عمل أو شدة وكذلك التَّزَحُّر والطَّحِير. ومن ذلك : النَّهِيم كمثل النَّحِيم : وهو شبه أنين يخرجه العامل المكدود فيستريح إليه ، قال الراجز:
مَا لَكَ لا تَنْحَمُ يا رَوَاحَهْ
إنَّ النَّحِيمَ للسُّقَاةِ رَاحَهْ
ومن أمثلة ما جاء في اللغة من حكاية أصوات المكروبين والمرضى أنّهم إذا أخذ المكروب أو المريض صوتاً رقيقاً يسمُّون ذلك الرَّنِين ، فإذا أخفاه فهو الهَنِين ، فإذا أظهره فخرج خافياً فهو الحَنِين ، فإن زاد فيه فهو الأَنِين ، فإذا زاد في رفعه فهو الخَنِين ، وبدهي أنّ الحنين هنا غيره في الشوق. فإذا أَزْفَرَ به المريض وقبح الأَنِين فهو الزَّفِير ، فإذا مَدَّ النَّفَسَ ثم رمى به فهو الشَّهِيق ، فإذا تردَّد نَفَسُهُ في الصدر عند خروج الرُّوح فهو الحَشْرَجَة. ومن هذه الأصوات مما يتصل بالإنسان في بعض حالاته: الفَخِيخ والنَّخيخ وهو صوت النائم وأَزْيَد منهما الغَطِيط. والشَّخِير يكون من الفَمّ ، والنَّخِير من المَنْخرين. والفَقْفَقَة صوت الحَنَكَيْن عند اضطرابهما واصطكاك الأسنان من الارتعاش أو البرد وغيرهما. والتَّفْقِيع والفَرْقَعَة من الأصابع عند غمز المفاصل. ومن الأصوات التي لا تفهم أو غير الواضحة عندهم : اللَّغَط، وهي أصوات مختلطة مبهمة ، والتَّغَمْغُم: الصوت بالكلام الذي لا يَبِين وكذلك التَّجَمْجُم. واللَّجَب: صوت العسكر ، أو كثرة أصوات الأبطال وصهيل الخيل ، ومن ذلك يقال: بحر لَجِب بالْتِطَام الأمواج ، والوَغَى صوت الجيش في الحرب. والضَّوْضَاء: اجتماع أصوات الناس والدَّواب ، وكذلك الجَلَبَة. ومما ذكروه من أصوات الخيل: الصَّهِيل ، وهو صوت الفرس في أكثر أحواله. والضَّبْح: صوت نَفَس الفرس إذا عدا ، وقد نطق به القرآن الكريم في قوله تعالى: وَالعَادِيَاتِ ضَبْحاً . والحَمْحَمَة: صوته إذا طلب العلف أو رأى صاحبه فاستأنس إليه ، ومنه قول عنترة في جواده:
فَـازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ القَنَـا بِـلَبـَانِـهِ
وشَـكَـا إِليَّ بِعَـبْرَةٍ وتَحَـمْحُـمِ
ومن أمثلة تفصيل الأصوات وما يتعلّق بها عند العرب ما ذكروه عن الأصوات الخَفِيَّة ، فأخفاها الرَّزّ ، ثم الرِّكْز ـ وقد نطق ها القرآن الكريم في قول الله تعالى  هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا  ، ثم الهَتْمَلَة ( وهي صوت السِّرار ) فوقهما ، ثم الهَنِيمَة ( وهي شبه قراءة غير بيّنة ) ، ثم الدَّنْدَنَة ( وهي أن يتكلّم الرجل بالكلام تسمعُ نغمته ولا تفهمه لأنه يخفيه وفي الحديث : فأما دَنْدَنَتُكَ ودَنْدَنَة معاذٍ فلا أُحسنها ، ثم النَّغَم ( وهو جَرَس الكلام وحُسْن الصوت ) ، ثم النَّبْأَة ( وهي الصوت ليس بالشديد ، ثم النَّأْمَة من النَّئيم ( وهو الصوت الضعيف ).

د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير
أستاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]