[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
".. والمجتمع في الوقت ذاته في أمس الحاجة إلى الرأي الحصيف والفكر المبدع والنقد المتزن والرؤية المستشرفة والعمل المخلص والتقييم الموضوعي, ولا يقوم ذلك ولا يتأتى ولا يتحقق إلا على يد إنسان نال تربية جيدة وتعليما وافيا وثقافة واسعة.."

يظل العنصر البشري دائما وأبدا هو المؤسس الحقيقي لأي بناء في الحياة, وكل ما يستوقف العين من جماليات وتستمتع به الأجسام من خدمات ووسائل ترفيه, وتتغذى به العقول من أفكار وعلوم وفنون وإبداع متعدد, وما نتابعه ونعايشه من تقدم وتطور وازدهار واكتشاف في مختلف العلوم والفنون والقطاعات وغيرها، إنما هو من صنع وتدبير وعمل الإنسان الذي يبدع في البناء ويحقق النجاحات والمعجزات ويبث السعادة في نفوس الآخرين بأعماله المفضية إلى الارتقاء والإصلاح والتعمير والتنمية والتقدم ومساعدة البشر. فأعمال الخير والتنمية والبناء وتحقيق الأهداف جميعها عمل إنساني بحت مرتبطة أو متلازمة بمدى تهيئة هذا الإنسان من عدمه، ولا يتم ذلك ولا يتحقق إلا بإعداد العدة وتهيئة الأجواء ووضع الخطط والبرامج المدروسة لتنشئة جيل متعلم قادر على القيادة وتحمل أعلى درجات المسؤولية ... فمثلما يسهم العنصر البشري مساهمة إيجابية وفعالة في صنع الحضارة وتعزيز التنمية وتطوير العلوم والإضافة على المعارف والتجارب والخبرات السابقة وإسعاد مجتمعه, فإنه في المقابل يسهم سلبا في الهدم والانحراف ونشر الفوضى والتخريب وإتيان أعمال غير مسؤولة وإهدار المقدرات والمنجزات بسبب التربية الفاسدة والبيئة المعتلة وانحراف الفكر والجهل المستحكم وتحكيم الهوى .. وفي مقابل اختراع يساعد على شفاء المرضى وتخفيف آلامهم وإسعاد البشر يقابله اختراع آخر يصنع الدمار ويخلف الخراب ويسبب الأحزان ويسلب الأرواح ويندرج ذلك إلى الأفكار والأعمال والمعاملات وغيرها من صنائع الإنسان ... الإسهام الآخر يفضي إلى هدم الحضارة وإسقاط المجتمعات في حضيض الفوضى والتخلف والفساد ويؤدي إلى الانشقاقات والانقسامات ويتسبب في شقاء المجتمع, ومن أجل تجنيب المجتمع آثار انحراف الفرد وشقائه ونسهم في إسعاده وتقدمه وازدهاره وتطوره وتعزيز مسيرة البناء والتنمية فما علينا إلا الاهتمام بالعنصر البشري العامل الأساسي في نشر الخير ورسم طريق الشر, ولكي نصرفه عن الطريق الثاني ونوجهه إلى الطريق الأول فلا بد إذًا من الاهتمام به ومنذ نعومة أظافره, نضع الخطط ونحدد المسارات ونعد البرامج التي من شأنها تحقيق هذا الهدف الكبير بدءا من صحته مرورا بتربيته التربية الصالحة وتعليمه وتثقيفه وتشجيعه بمختلف السبل على القراءة وتوعيته التوعية التي تتناسب مع سنه ومستواه العلمي .. إذ متى ما تحققت الأسس القويمة المعتمدة على التربية السليمة والثقافة الواسعة والفكر الواعي والتعليم الجيد لمجتمع ما, فالنتيجة تعني عنصرا بشريا ذا شخصية سوية تفيد المجتمع وتسعده وتسهم في بنائه وصيانته وحمايته من عبث العابثين والحفاظ على مكتسباته ومن ثم قدرته على الموائمة بين الحفاظ على خصوصياته الثقافية والأخذ بمتطلبات العصر واحتياجاته. والمجتمع في الوقت ذاته في أمس الحاجة إلى الرأي الحصيف والفكر المبدع والنقد المتزن والرؤية المستشرفة والعمل المخلص والتقييم الموضوعي, ولا يقوم ذلك ولا يتأتى ولا يتحقق إلا على يد إنسان نال تربية جيدة وتعليما وافيا وثقافة واسعة .. والمتتبع للمسار الذي تجري عليه حياة الإنسان وما تتسم به من تطورات وتغيرات تؤدي إلى اختفاء ظواهر وأنماط وبروز أخرى بديلا لها, ويقيم الحراك المستمر الذي أحدثته متغيرات الحياة بصفة عامة وتأثيرات ذلك على القيم والمفاهيم والسلوكيات المتعارف عليها وعلى رأسها قيم التربية والتعليم والاهتمام بالنشء يكتشف أن تلك القيم لم تعد تشغل بال الإنسان كثيرا، ولم تعد تأخذ الحيز المناسب في ثقافته وفكره وخططه وبرامجه. فقد طغت عليها المصالح الخاصة والثقافات والقيم الدخيلة والانشغال بالمكاسب الآنية على حساب قيم المجتمع وخصوصياته الثقافية وتهيئة الفرد للمنافسة الحادة على الوظيفة والمكسب وحببت إليه المظاهر الشكلية والوجاهة واقتناء ومتابعة وتقليد الآخر بغض النظر عن الحاجة الحقيقية وبغض النظر عن العيوب والمضار والمفاسد التي ستحدثها .. وهكذا تدريجيا بدأت السمات الشخصية الطبيعية بالذوبان والتلاشي ومعها قيم التربية والأخلاق النبيلة، ولم تعد قيم التعليم من أجل التعلم واكتساب المعرفة وإصلاح الذات والتعافي من الجهل والتصحر هي السائدة.
ووفقا لهذا الواقع الجديد أخذ الإنسان تدريجيا في التحول إلى مسارات وتوجهات وقيم تضر بالمجتمع وتسيء وتهدم أكثر مما هي تبني وتصلح وتبدع .. إن ضعف الاهتمام بتربية الفرد وبتنشئته على ثقافة مجتمعه وقيمه الأصيلة سوف يلحق الضرر بالمجتمع والعودة إليها، وتصحيح المسارات أمر في غاية الأهمية لخدمة المجتمع وبنائه وتطوره وازدهاره والعلاج لإصلاحه وضمان تمسكه بقيمه وثقافته الأصيلة..