[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
إنني أفهم عيد المرأة بمفهوم الحقيقة والواقع مع تقييم أمين للإيجابيات وهي كثيرة وللسلبيات وهي كثيرة أيضا بعيدا عن كل تخميرة أيديولوجية من اليمين أو اليسار، ولا أفهم كيف يتحول قانون بشري اجتهادي إلى ما يشبه اللات والعزى نطوف حوله بالمباخر الحزبية والشموع الانتخابية قائلين إنه خط أحمر ولا نقيم وزنا للضحايا وهم بمئات الآلاف غرر بهن فألقوا بالأزواج آباء أبنائهن في الشارع طمعا في غنيمة زائلة أو تبعا لنزوة عابرة.

في الـ13 من أغسطس من كل عام ومنذ 1956 يحتفل التوانسة بعيد سموه عيد المرأة وهو تاريخ الـ13 من أغسطس 1956 يوم توقيع آخر ملوك المملكة التونسية المغفور له محمد الأمين باشا باي على مرسوم ملكي سامٍ يتعلق بإلغاء الأحكام الشرعية الإسلامية المنظمة للأسرة والزواج والمعمول بها كسائر بلاد المسلمين منذ 14 قرنا، وذلك بتأثير من بورقيبة الذي عينه الملك رئيسا للحكومة عوضا عن الطاهر بن عمار الذي وقع وثيقة الاستقلال، وتم إقرار قانون جديد يسمى مجلة الأحوال الشخصية يحرم الزواج بامرأة ثانية تحت أية حجة حتى لو كانت الزوجة عاقرا؛ فالزوج لا يمكنه الزواج بثانية فيضطر إلى طلاقها (للضرر....!) فيقع حرمانها من الأمومة العاطفية بتربية عيال ضرتها وكسب مودتهم ثم يلقى بها في الشارع لتكون عرضة للدعارة! وأصبح الطلاق لا يتم إلا في المحاكم، لكن الواقع المرير اليوم جعل المحاكم تغص بالملفات بشكل يجعل هيئات السادة والسيدات القضاة لا تستطيع البت فيها، ولكل من يشك في كلامي أن يتفضل بحضور جلسات الأحوال الشخصية في أية محكمة يختار وهي جلسات علنية ليكتشف أعداد الأطفال المشردين والأمهات التائهات بين المحامي وكاتب المحامي والعدل المنفذ والإذن على عريضة على مدى سنوات أحيانا إلى درجة أن أحد الأزواج نشر تضرعا على صفحات جريدة الصباح يقول فيها إنه منذ ثلاثة أعوام تقدم بقضية في الطلاق إنشاء (أي يتحمل هو جميع التكاليف ويتقبل جميع التبعات) ولم يصدر له حكم في الطلاق لأسباب عديدة كأن تقول المحكمة إنها ليست جهة الاختصاص لأن الزوجة تتحايل وتغير محل سكناها وهو إلى اليوم معلق!! وأنا أطالب ببساطة وبعيدا عن كل غاية سياسوية أو عقائدية أن تبعث الحكومة لجنة خبراء في القانون وعلم الاجتماع وعلوم الدين وممثلي جمعيات مدنية للنظر في مواقع الخلل صلب مجلة الأحوال الشخصية لتصحح بعض ما أثبتت الأيام انعكاساته السلبية على الأسرة والمرأة والأطفال، فالقانون كل قانون هو كالدواء يجرب وبعد مدة تنظر لجنة من الصيادلة والأطباء في انعكاساته السلبية، فتعاد تركيبته حفاظا على حياة الناس وصحتهم أو يسحب من الأسواق في حالات قصوى؛ لأن القوانين هي كائنات اجتماعية حية وليست نصوصا منزلة من السماء حتى يرفع بعض الديماغوجيين لها شعار (خط أحمر) وفرنسا ذاتها التي يعتبرها العلمانيون قدوتهم ومثلهم الأعلى قامت بهذه التصحيحات عديد المرات، وخلال هذه السنة 2014 سن البرلمان الفرنسي تعديلا بطلب من السيدة (توبيرا) وزيرة العدل في حكومة (هولند) يسمح بالطلاق بواسطة شبكة الإنترنت في حال التراضي بين الزوجين، ثم إن الذي لا يريد الفرنكوفونيون الاعتراف به أو الحديث عنه هو أن فرنسا تبيح تعدد الزوجات حتى بالقانون ولا تتدخل السلطة في ما يسمى (باكس) وهو ارتباط رجل وامرأة بعقد بلدي وينجبان ويورثان، وهذا معمول به حتى في رأس هرم السلطة. فالرئيس الأسبق فرنسوا ميتران عاش عمره كاملا مع زوجتين: السيدة دانيال ميتران أنجبت له ولدين والسيدة (أن بينجو) أنجبت له بنتا بهية الطلعة سماها على بركة المسيح (مازارين) وهي اليوم صحفية ناشطة في فرنسا. أما الرؤساء الذين خلفوه فنجد من بينهم نيكولا ساركوزي المتزوج عرفيا ثلاث مرات بدون أية وثيقة رسمية ولم يتعرض لأي انتقاد أو تدخل في أحواله الشخصية، وأنجب من الزوجات الصالحات عيالا وطلقهن بإحسان بعد أن عاشرهن بمعروف، ولا دخل للسلطة في هذه الأحوال المسماة صدقا وحقا بالشخصية! أما الرئيس الراهن للجمهورية الفرنسية السيد فرنسوا هولاند فقد تزوج عرفيا، مرة أولى بالسيدة سيجولان روايال وأنجبت له بنتين وولدا ثم سرحها بإحسان أو سرحته (الله يعلم)، ثم تزوج بنفس الزواج العرفي من السيدة فاليري تريالويلار الصحفية في مجلة باري ماتش وهي السيدة الأولى كما يقال لكن بدون أي صداق مدني! ويشاع في بعض الصحف المسائية منذ مدة بأن هولاند يتردد على فتاة في شقتها وهو ما نسميه زواج المسيار! فحياة المواطن الفرنسي الشخصية لا يقيدها قانون خانق جائر. ثم إن لدينا عمليات غش لا يريد العلمانيون الخوض فيها لأنها فعلا محرجة، فالرئيس بورقيبة رحمة الله عليه عاش مع زوجة فرنسية ومع السيدة وسيلة بن عمار زوجة بن الشاذلي، وفي آخر عمره طلقها طلاقا جائرا نفذه أحد المحامين بدون حضورها فكانت السيدة وسيلة من ضحايا القانون الذي سنه زوجها ودافعت هي عنه طوال ثلث قرن. ولم يكن حظ الزوجة الأولى للرئيس الثاني ابن علي أسعد حظا حين أراد الرئيس الزواج من ثانية!
يعلم الله أني أب لبنات وأتمنى لهن السعادة والاستقرار لكني أشاهد حال أربعة ملايين عانس (حسب مصادر اجتماعية) مضافا لهن مئات الآلاف من المطلقات والأرامل وأتساءل: كيف سنعالج هذه المعضلات وليس عندي حلول سحرية أو اعتباطية لكن أعلى المسؤولين في السياسة التونسية أصبحوا هذه الأيام يتألمون من هذه الظواهر التي نعتوها بالإخلالات؛ فوزير الصحة السيد بن عمار ندد بلجوء امرأة من ثلاث نساء للإجهاض (وهو قتل للأجنة في الأرحام حرمه الشرع إلا في الحالات القصوى) ومن جهة أخرى طالب الشيخ راشد الغنوشي بأن يتزوج الشباب التوانسة من النساء المطلقات والأرامل والعوانس دون أن يقول لنا هل في زواج أول أو زواج بثانية!
إنني أفهم عيد المرأة بمفهوم الحقيقة والواقع مع تقييم أمين للإيجابيات وهي كثيرة وللسلبيات وهي كثيرة أيضا بعيدا عن كل تخميرة أيديولوجية من اليمين أو اليسار، ولا أفهم كيف يتحول قانون بشري اجتهادي إلى ما يشبه اللات والعزى نطوف حوله بالمباخر الحزبية والشموع الانتخابية قائلين إنه خط أحمر ولا نقيم وزنا للضحايا وهم بمئات الآلاف غرر بهن فألقوا بالأزواج آباء أبنائهن في الشارع طمعا في غنيمة زائلة أو تبعا لنزوة عابرة واشترطن على رجالهن وتاج رؤوسهن أن يطردوا أمهاتهم ويتنكروا لعائلاتهم في لحظة من غياب الضمير وفي وهم حماية القانون للمرأة ظالمة أو مظلومة. ومن حقك يا قارئي العزيز أن تسألني عن سر عنوان المقال فما دخل الرجل المقعد على شاطئ البحر وأبوح لك أن هذه الخواطر حول ضرورة العلاقات المتوازنة بين الرجل والمرأة في تونس جالت بذهني وأنا أرى كل صباح على أحد شواطئ بنزرت حيث أقضي بعض الأيام سيدة تونسية من صلب هذه الأرض وترائبها تدفع أمامها كرسيا متحركا يجلس عليه زوجها المقعد وكل يوم تعاني حتى تبلغ به مياه البحر التونسي الجميل فتأخذه بين أحضانها وتنزله بلطف وحب إلى حافة الماء كأنه طفلها المدلل وتساعده على بعض الحركات للتمتع بالسباحة ثم تعيده إلى كرسيه وتعيد دفع الكرسي إلى السيارة وتتركني هذه البطلة في حالة إعجاب. أحمد الله تعالى على ألا يحرمنا من هؤلاء التونسيات الأصيلات ويوم الـ13 من أغسطس أحييت عيد المرأة وحدي على نخب هذه المرأة الاستثنائية لأنه عيدها لا عيد اللواتي أسأن فهم القانون وحولنه أداة لتخريب بيوتهن بأيديهن وأيدي المغرورين والمنافقين.