[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
كان رئيس وزراء الأسبق المرحوم تقي الدين الصلح يردد أن هنالك طريقين تربطان لبنان بالخارج واحدة إلى سوريا والثانية إلى إسرائيل (هكذا حدود لبنان أصلا)، وبالطبع تبقى هنالك طريق واحدة تأخذ فقط إلى سوريا .. لم يكن يقصد بالطريق تلك التي نسير عليها، بل الارتباط المعروف .. فقد كان لبنان وسيبقى مرتبطا بسوريا، لا يعنيه كثيرا من يحكمها، وإن كانت طبيعة الحكم في دمشق تعني كثيرين في لبنان.
سمعت كثيرا جملة رددها البعثيون اللبنانيون، أن مؤسس حزب البعث ميشال عفلق سأل مرة: كم عدد البعثيين في لبنان؟ فقيل له: سبعون ألفا. فأجاب على الفور: ولماذا لا يحكمون لبنان؟ ربما تعني هذه العبارة مقدار تأثر لبنان بشقيقته الكبرى سوريا، وكلنا يعرف أن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يحكم سوريا منذ العام 1963، يعتبر لبنان قطرا من أقطار الأمة الواحدة، وأبرز تجلياته هي الوحدة العربية.
حين عصفت بلبنان حربه الداخلية عام 1975 كانت الأنظار منذ البداية قد انشدت إلى الشقيقة الكبرى .. كانت إحدى النظريات تقول إن لبنان الضعيف يجب أن تكون سوريا القوية .. وقد ثبت بالفعل الملموس والمحسوس أن سوريا يوم دخلت إلى لبنان، لم تكن تغامر بجيشها ولا هي جاءت بصفة محتل، هي أولا بقرار من جامعة الدول العربية وبموافقة دولها وبغيرها من دول الغرب، بل إن من طلب دخولها كان ظاهرة لم يصدقها حتى السوريين وهم المعروفون بعدم رغبتهم فيها آنذاك أمثال كميل شمعون وبيار الجميل .. ومن المصادفات الغريبة أن من كان يفترض أن يكون محسوبا على سوريا يومها، مثل الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية هم من حاربوا الدخول السوري .. مفارقات تم نسيانها لكن الأرشيف اللبناني والسوري ما زال يحتفظ بها وما زال ثمة جيل يعرفها إن لم يكن بعضه قد مارسها.
ذات مرة ولأسباب لبنانية ضد المقاومة الفلسطينية، أغلق السوريون الحدود مع لبنان فقامت الدنيا ولم تقعد حيث ضرب الشلل قطاعات لبنانية أساسية أدت إلى صراخ اللبنانيين والتنازل عن أي شيء يزعج سوريا .. واليوم نعرف الخسائر اللبنانية الهائلة من جراء إغلاق معبر نصيب الذي يعتبر رئة اللبنانيين في الارتباط بالخارج العربي.
بالأمس كان العيد الـ75 للاستقلال اللبناني، ذلك الاستقلال الهش لجمهورية عاشت قلقها الدائم .. فهي انتقلت من أيدي الفرنسيين إلى أيدي الإنجليز والأميركي ثم قبض عليها عبد الناصر فالمقاومة الفلسطينية فسوريا .. طويلة هي التطورات التي حكمت لبنان والتي من الواضح أنها ستظل تحكمه .. لنتصور مثلا الوضع الحالي، مضى أكثر من خمسة شهور على صعوبة تأليف وتشكيل وزارة لبنانية، في الوقت الذي كانت فيه سوريا موجودة في لبنان لم يكن التشكيل يحتاج سوى ليومين أو ثلاثة على أبعد تقدير. كل من عمل بالسياسة في لبنان وغير السياسة يعرف تلك التفاصيل، لكن قسما من اللبنانيين يحاول المكابرة بترداده الاستقلال في كل شيء عن سوريا التي تعيش اليوم مؤامرة كبرى عليها، ومع ذلك فعينها على لبنان، يهمها في ظروفها الحالية أن لا يصاب بسوء كي لا يصبح عالة أكبر عليها..
ثم إن لبنان ليس بقوته الهشة مسيطر على وضعه الأمني وفاعل فيه إلى الحد الذي أبعد عنه كرة النار الموجودة في سوريا وغيرها، بل هنالك تفاهم دولي على إبقاء لبنان آمنا حتى الآن، سقوط هذا التفاهم سيؤدي حتما إلى تخريب الحالة السائدة.