[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
إن جامعة الدول العربية بحاجة إلى هويتها الحقيقية الآن، وإذا كانت هذه المؤسسة القومية لا تمتلك قدرة وضع النقاط على الحروف فمن باب أولى أن تبحث عن (رؤية) بلا نقاط تقلل من الكارثة اليمنية القائمة.


هناك مصاهرة وثيقة بين المنهج الذي يركب عقول البعض ضمن متوالية (أخذته العزة بالإثم) مع التخندق في ذلك، واللجوء إلى العلاجات الترقيعية لستر العيوب، أية عيوب، وفي مقدمتها العيوب السياسية على وفق ما سنتناوله هنا.
من السهل جدا أن تجد رابطا واضحا بين هاتين الظاهرتين بكل ما تحفل به من وشائج وافتراءات على الحقيقة ومحاولات هروب منظم إلى مجاهل ليست ضمن الحسابات الواقعية، وهكذا يتحول الحال إلى متلازمة من هذا النوع، وهي لا تحتاج إلى تحرٍّ دقيق للكشف عنها، بل تكفي معاينة بسيطة لأن الاعتزاز بالإثم هنا يأتي ضمن مقاربات مفضوحة للتكيف مع المسوغات الاجتماعية والأخلاقية والإلحاح على المطاوعة رغم الصعوبة الجمة أصلا في تحقيق ذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار أن اللقاء بين الحقيقة والافتراء مستحيل، وإن حصل الاختلاط وتقاربت المسافات.
هناك أشخاص وهيئات متورطة في مشاغلات للحصول على عدد مفتوح من الهويات الزائفة وتذييل ذلك بمستمسكات (عينية) مزينة بصورهم!، وإلا ماذا يعني أن يكون لدى محامٍ أو أستاذ جامعي أو موظف حكومي أو ناشط حقوقي عشر هويات انتماء لهذا العنوان أو ذاك ولا يستطيع أن يوظف قدرته إلا ضمن مؤسسة أو مؤسستين حتى وإن امتلك قوة (خارقة) من التمثيل الفعلي لتلك المنظمات.
لقد بات امتلاك عدد من هويات الانتماء لمؤسسات ومنظمات واحدا من معايير الوجاهة والتسلق وعروض الأهمية، وتلك مسالك لا يجيدها إلا الذين يتقاسمهم الشعور بفقر الموقع ونقص الجاه فيلجأون إلى هذه الوصفة الاعتبارية ولذلك باتت الهويات تباع وتشترى، وعلى حد علمي أن منظمات خدمية (بيطرية) تمنح هويات (شرف) إلى شخصيات لا تعرف من العناية بالقطط مثلا إلا ما تعرفه الفيلة عن (الرشاقة)، وبذلك تحولت منظمات عديدة إلى مضافات للمجاملة والنفاق ودواوين لشرب أنخاب القهوة والشاي، أو مشروبات (آخر الليل) على وزن ما يقدم في بعض الأندية، والشيء بالشيء يذكر أن الغناء ممنوع بأمر الشرطة العراقية ضمن مدونات تصدرت جدران أندية منذ أن كانت أحياء بغدادية تحرص أن تكون (محظيات) للشاعر أبي نواس.
نحن في العراق بحاجة ماسة فعلا إلى حماية الهويات من التنطع والهدر والمتاجرة، أي بحاجة ماسة إلى التدرب على القناعة بهوية معينة، ونحن أيضا بحاجة ماسة بالفعل أن نعيد النظر في الأساسيات التي نحتاجها لتحريك مياه النفوس الراكدة أو الجامحة التي أدمنت التنمط باتجاهات مريبة وتنمرية.
وما دمنا في الهويات وتنطعها وضياعاتها وعدم وجود بوصلة لمتطلبات منحها، أليس من الحق أن يكون السؤال لدى الجهة المقابلة عن أشخاص ومؤسسات تمنعت عن هويتها الحقيقية، ومنها جامعة الدول العربية وليس من باب النصيحة في طلب العودة إلى نظامها الداخلي الذي يصون عملها وبنود معاهداتها وقراراتها، ولكن من موقع شروط عملها؟
إن هناك أسئلة مشروعة عن (الجامعة) لدرء تفشي التصدع في الواقع العربي القائم، ثم أليس من مسؤوليتها أن تعتمد الحياد الإيجابي في التعاطي مع شؤون الدول العربية وليس أن تتلبس الانحياز لحساب أطراف بالضد من أطراف أخرى؟ أوليس من هوية أمينها العام أحمد أبو الغيط أن يفتح سجلاتها الحالية بما يعينها على التطهر من كل أدران القطيعة التي تحكم منهجها؟ ولماذا لا يقوم أبو الغيط الآن بزيارة سوريا مثلا، ليس من أجل أن يلتقي بمسؤوليها السياسيين، وإنما ليقوم بجولة في عدد من أحياء دمشق ويلتقي مواطنين ويستطعم مرطبات (بكداش) في سوق الحميدية الذي تجول فيه الجنرال ديجول سائحا؟ أوليس من المسؤولية أيضا أن يطلب أبو الغيط السماح له في زيارة العاصمة اليمنية صنعاء أو التوجه إلى ميناء الحديدة ويضع كف يده على جبين طفل ينازع الموت بعد أن أرهق جسده النحيل الجوع والمرض ومخاوف القتل، على الأقل لكي يقول للرأي العام العربي إنه على استعداد أن يماثل المبعوث الدولي مارتن جريفيت وهو يتولى الآن محاولات جمع الأطراف المتنازعة باجتماع يضع حدا للمأساة؟
إن جامعة الدول العربية بحاجة إلى هويتها الحقيقية الآن، وإذا كانت هذه المؤسسة القومية لا تمتلك قدرة وضع النقاط على الحروف فمن باب أولى أن تبحث عن (رؤية) بلا نقاط تقلل من الكارثة اليمنية القائمة.