[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
من الصور التي تبقى ملتصقة بالذاكرة تلك التي تتحدث عن الغربة والرحيل وشعور المرء أن غربته قد تطول كثيرا، أو أن رحيله سيدوم طويلا وأكثر من ذلك شعور المرء بأن الرحيل نهائيا، ومهما كانت أسباب الغربة والرحيل عن الوطن فإن ذلك يحمل بين طياته قسوة ويشعر حامله بألم قد لا يراه الكثيرون، ومن تلك المشاهد ما دونه السياسي الإسرائيلي من أصل عراقي (شلومو هيلل) وشغل عدة مناصب، آخرها رئيسا للكنيست الإسرائيلي عام 1984، ومهما كان سبب الرحيل، فإن الجانب الإنساني يبقى الأهم في كل ذلك، يقول شلومو في مذكراته، ألصقت وجهي إلى زجاج نافذة الطائرة، ونظرت إلى بغداد، تلك المدينة ألتي ولدت فيها، وأمضيت فيها سنوات عمري الأولى، وإلى نهر دجلة الذي أحببته، لقد اختفيا عن ناظري بسرعة، ولم أعد أراهما ثانية، كان شلومو في تلك اللحظات داخل طائرة أقلعت من مطار المثنى في وسط بغداد لتهريب مجاميع من شباب يهود العراق ليصلوا إلى فلسطين في أوسع عملية تهريب وتهجير ليهود العراق، كان ذلك أواخر أربعينيات القرن الماضي وتواصل التهجير ليهود العراق حتى بداية الخمسينيات منه، كما حصلت هجرة في فترات لاحقة، ومع أن عملية تهجير يهود العراق قد أسفرت عن هجرة 124 ألف يهودي، من بينهم حوالي عشرين ألفا بطريقة التهريب، إلا أن ذلك لم يسدل الستار على تاريخ اليهود في العراق الذي يعد مثار جدل وخلاف بين الكثير من المؤرخين والباحثين.
ومن أهم تلك النقاط ما يدعيه المؤرخون اليهود من أن وجودهم في أرض العراق كان منذ زمن إبراهيم الخليل، ويفند هذا الرأي العلامة د. أحمد سوسة الذي يقول (إن اليهود ظهروا في العراق أول مرة في عهد الآشوريين في أواخر القرن الثامن وأوائل القرن السابع قبل الميلاد وذلك عندما (سباهم) الآشوريون ونقلوهم إلى بلاد آشور كأسرى أي بعد عصر إبراهيم الخليل بألف ومائتي سنة وبعد النبي موسى بستمائة سنة. (د. أحمد سوسة ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق ص16).
وقبل أن نسترسل في سرد قصة تاريخ الوجود اليهودي في بابل، لا بد من التوقف عند نقطة مهمة، فتذكر التوراة التي هي المصدر الأساسي التي تروي ما حصل لليهود في زمن نبوخذ نصر (597 قبل الميلاد وما قبلها)، أن ما تسميه (بالسبي) الأول قد أفضى إلى جلب جميع القادة والمحاربين والحدادين المهرة، ولم يتبقَّ هناك إلا القلة من اليهود، ثم نجد وخلال إحدى عشرة سنة، يعيد (صدقيا) تكوين الجيش وتسليحه ويصل إلى درجة أنه يعقد تحالفات مع المصريين لمقاتلة الملك البابلي الكلداني القوي نبوخذ نصر، ولا شك أن إعادة تكوين الجيش وتسليحه ضمن الظروف التي كانت سائدة آنذاك، ليس بالأمر السهل، خصوصا إذا ما تذكرنا أن البابليين لم يبقوا على شيء مهم سنة 597 ق.م، ولكن أفضت المعركة الثانية إلى جلب 50 ألفا من اليهود ومعهم العائلة المالكة، وهذا الأمر يحتاج إلى دراسة أوسع وبالاعتماد على الوثائق المستخلصة من الاكتشافات الآثارية، ورسم الصورة الحقيقية عما حصل خلال تلك السنوات الإحدى عشرة وفي الحقبة التي حكم فيها نبوخذ نصر.
بعد كل هذا التاريخ الطويل يغادر اليهود ويلقون نظرة وداع لبغداد ونهر دجلة.