[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]

لا يمكن لكاتب مثلي أن يدعي الريادة في مناقشة موضوع تفكك الأسرة في المجتمع الأميركي، درجة دق ناقوس الخطر في دوائر الدولة هناك، وعبر تجليات الإعلام، إضافة على المؤسسات الدينية، على تنوعاتها مسيحية ويهودية، بل وحتى إسلامية أحيانا, لقد أطلقت صافرات الإنذار حول تشرذم الأسرة منذ زمن طويل من قبل كبار أصحاب القلم وعبر قنوات الإعلام وونصوص الأجناس الأدبية المتنوعة. وقد كانت أقواها تقديما لرجات الوعي، هي كتابات المسرحي الكبير "آرثر ميلر" Miller، مؤلف مسرحيتي (كلهم أولادي) و(موت البائع الجوال)، وهما من أكثر المسرحيات هزا للضمير الأميركي المتدين وغير المتدين، بقدر تعلق الأمر بظاهرة تفكك الأسرة الأميركية المستعصية، ولأسباب عديدة، يصعب حتى حدها وتعدادها.
إلا أني قد لاحظت أهمية عدم ترك الفرصة تمر دون رصد وتحليل، على سبيل التحذير وتجنيب مجتمعاتنا ما يمكن أن يحيق بها، إن استمرأت التمادي في المحاكاة وعدم المبالاة في مسائل اجتماعية وقيمية مهمة، من قبيل مراقبة الأبناء ومراجعات أولياء الأمور لشؤون أسرهم دون كلل أو ملل، وعلى نحو دوري، في سبيل تجنيب مجتمعاتنا الانزلاق إلى مهاوي جحيمية لا سبيل حتى لقياس أعماقها.
ربما كان توق المسرحي الكبير "آرثر ملر" لعرض هذه الأزمة الاجتماعية نابعا من التجربة المباشرة التي عاشها هو شخصيا منذ طفولته حتى سماع خبر انتحار زوجته، الممثلة الحسناء "مارلين مونرو"، بل وحتى لفظ هو شخصيا أنفاسه الأخيرة موقعا آخر أوراقه المهمة في الاحتجاج الاجتماعي ضد مجتمع ألّه "الدولار"، ونفض يديه من كل وشيجة روحية غير مادية في سبيل أغراض تتمايز عن سواها من أغراض المجتمعات الأخرى، أي تلك التي لم تزل تحافظ على وشائج وثيقة بالماضي وبالحياة الروحية وبقيمها الأخلاقية النبيلة.
وإذا كانت مقالتي السابقتان، الــ"بابا السكري"، و"مديات الصداقة" قد أتاحتا نظرة، وإن كانت عاجلة ومقتضبة عن بعض النتائج الكارثية لما تواجهه الأسرة في المجتمع الأميركي، وهي مخاطر وجودية بكل تأكيد، فإن للمرء أن يلاحظ بأن تيار "الأمركة" الجارف والماضي اليوم عبر جميع أرجاء العالم، ومنه العالم العربي والإسلامي، إنما يتطلب المراقبة الحذرة، والعمل على عزل الغث عن السمين تجنبا للمهالك المتوقعة من كل محاكاة عمياء.