[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
يتمتع جبل حرمون بأهمية عسكرية تعود إلى ما يوفره من بعد إحداثي ديكارتي ثالثي/شاقولي، يسمح بمراقبة مواقع الطرف الآخر بصورة جيدة نسبيا. وفي الواقع فإن جبل الشيخ يطل على الاتجاهات العملياتية على الجبهة السورية ـ الفلسطينية بحيث يشرف موضعيا على الأراضي المحيطة به حتى الأفق.

تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي تكريس ضم الجولان السوري المحتل، منذ قرارها الذي اتخذته بهذا الشأن عام 1981، وقد رفضه في حينها مجلس الأمن الدولي، وما زال يرفضه، وما زالت الأمم المتحدة تعتبر الجولان أرضا سورية محتلة يجب أن تتم عملية الانسحاب "الإسرائيلي" منها في نهاية المطاف.
ومؤخرا، أجرت سلطات الاحتلال انتخابات محلية للسلطات البلدية في القرى السورية الخمسة المتبقية في الجولان السوري المحتل من أصل نحو مائتي قرية جرى تدميرها، والقرى الخمس هي: مجدل شمس، بقعاتا، مسعده، الغجر، عين قنية. لكن غالبية المواطنين السورية رفضت بل وقاطعت تلك الانتخابات، فقامت قوات الاحتلال باعتقال أعداد كبيرة من مواطني تلك القرى الخمس.
في جبل الشيخ، أو جبل حرمون، في الجولان السوري، وعلى مقربة من تلك القرى الخمس المحتلة، كُتِبَت لي تجربة رائعة، وجميلة، من خلال خدمتي الإلزامية في الجيش قبل نحو 36 عاما، حيث التعرّف على المكان ككل، وعلى الطبيعة الجميلة في تلك المنطقة الواقعة على المثلث السوري الفلسطيني اللبناني، وإطلالاتها الرائعة، خصوصا على شمال فلسطين ومدينة صفد وسهل الحولة وبحيرة طبريا. كما كانت تجربة رائعة في التعرّف على الحياة العسكرية النظامية، وتفاصيلها اليومية الميدانية.
لقد استحضرت منذ اليوم الأول لصعودي إلى مرتفعات جبل الشيخ ما سبق وأن قاله الرئيس الراحل ياسر عرفات "ثلوج جبل الشيخ أَحَنُّ علينا" أواخر العام 1971. الكلمة إياها أطلقها الرئيس عرفات مع قيام القوات الفدائية العسكرية الفلسطينية بإعادة تجميع نفسها بعد خروجها من الساحة الأردنية نحو سوريا، وإعادة ترتيب انتشارها من جديد مابين جبهة الجولان السورية، وجبهة جنوب لبنان.
القوات الفلسطينية التي ذهبت إلى لبنان سلكت طريقا مُتعرجا ازدلفت عبره من الأراضي السورية من تلال ومرتفعات جبل الشيخ والمناطق المحيطة بها عند مثلث الحدود السورية اللبنانية من بلدات (قلعة جندل، رخلة، دير العشاير، كفر قوق...) ومن غرب جنوب غرب منطقة الزبداني لتَعبُرَ نحو بلدات (راشيا الوادي، عيتا الفخار، كفر شوبا، الهبارية، خربة روحا، حلوة، إم دوخة...) في لبنان، ومن ثم لتتوزع على كافة مناطق وقطاعات الجنوب اللبناني.
جبل الشيخ، أو جبل حرمون، في الزاوية الشمالية الغربية من الجولان، منطقة إستراتيجية من بلاد الشام، يَستطيع المرء أن يرى من قمته وحتى من مرتفعاته الأدنى من القمة مناطق واسعة من فلسطين ولبنان وسوريا في آن واحد.
فمن المرتفع 2814 متر فوق سطح البحر، تشاهد أضواء مدينة صفد الواقعة في جبال ومرتفعات الجليل الفلسطيني وعلى قمة جبل الجرمق، كما ترى مدينة طبريا وبحيرتها وهي في قعر الغور الفلسطيني، تحيط بها الأراضي الزراعية الخصبة الممتدة على حدود (سايكس/بيكو) المشؤومة والمصطنعة ما بين فلسطين وسوريا.
ومن ذاك المرتفع العالي في قمة جبل الشيخ ذاته وعند تغيير مجال الرؤية ترى وتشاهد مناطق دمشق وريفها ومرتفعات الزبداني، فضلا عن رؤية البقاع اللبناني وبحيرة القرعون إضافة لمرتفعات الباروك.
إن جبل الشيخ ينفصل عن بقية السلسلة الجبلية الشرقية للبنان بواسطة ممرات جبلية طبيعية عريضة، ساعدت الانكسارات وعوامل التعرية الطبيعية على تكوينها. حيث تتألف المرتفعات الشرقية للبنان وجبل حرمون من صخور جيرية دولوميتية جوراسية تظهر في القسم الجنوبي وخصوصا في جبل حرمون.
إنه جبل الشيخ الذي وصفه أحد عتاة ساسة الدولة العبرية الصهيونية ديفيد بن جوريون بـ(أبو المياه) والنافذة الإستراتجية، طامحا لاحتلاله بالكامل منذ قيام الكيان الإسرائيلي على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، باعتباره مصدرا مهما وحيويا وخزانا مائيا يغذي جوف منطقة الجولان وأجزاء من القطاع الشرقي لجنوب لبنان وسهل الحولة في فلسطين والتي تبلغ مساحتها 165 ألف دونم، فضلا عن بحيرة طبريا (بحيرة الجليل).
فالأهمية الأولى لجبل حرمون تنبع من كونه المغذي الرئيسي للمياه في المنطقة الواقعة في حوضه في الجولان ومناطق القطاع الشرقي لجنوب لبنان إضافة إلى مناطق ريف دمشق في وادي الحرير ووادي العجم.
تبلغ مساحة المرتسم الأفقي لجبل الشيخ وعلى مستوى الأرض نحو (600) كيلو مترمربع، نصفها تقريبا في الأراضي اللبنانية، ويطل على القطاع الشرقي/قطاع العرقوب، وتُشكّل مساحته الواقعة في الأراضي السورية نحو (12%) من مساحة الجزء المحتل من هضبة الجولان.
جبل حرمون مجموعة من الارتفاعات المتتالية، بحيث يتشكل من عدد كبير من الذرى والشارات المتباينة الارتفاع عن بعضها البعض: قمة وسط حرمون 2296 مترا، مرتفع شرق حرمون 2154 مترا، مرتفع قمة النسر 1841 مترا، مرتفع قرنة السفحة 2682 مترا، مرتفع المهبط 2400 متر، مرتفع العقبات الأول 1896 مترا، مرتفع العقبات الثاني، مرتفع قصر برقش، مرتفع جبل الروس … والمرتفعات الواقعة في الجانب الآخر تحت الاحتلال إضافة إلى المرتفعات الواقعة في الشطر اللبناني من الجبل، ويرتفع في أعلى نقطة منه بمقدار 2814 مترا عن سطح البحر.
يتمتع جبل حرمون بأهمية عسكرية تعود إلى ما يوفره من بعد إحداثي ديكارتي ثالثي/شاقولي، يسمح بمراقبة مواقع الطرف الآخر بصورة جيدة نسبيا. وفي الواقع فإن جبل الشيخ يطل على الاتجاهات العملياتية على الجبهة السورية ـ الفلسطينية بحيث يشرف موضعيا على الأراضي المحيطة به حتى الأفق. وضمن ذلك يمكن القيام بأعمال المراقبة بالنظر، بواسطة أجهزة المراقبة البصرية لمسافات طويلة، ورصد كامل لاتجاه العمليات في الجانبين، وتاليا يمكن متابعة كل التحركات العسكرية وتصحيح رمايات المدفعية وضربات الطيران، إضافة إلى أنه يمكن أن يشكل ستارا وعامل إضفاء للحشودات العسكرية للطرف المُسيطر عليه، ويقدم شروطا ملائمة لحجب الرؤية الرادارية وحماية الطائرات ذات الطيران المنخفض من الاكتشاف بحيث تصل إلى أغراضها بصورة مفاجئة. فضلا عن ذلك يصعب على نيران المدفعية أن تطاول مرتفعاته بسبب طبيعة تضاريسه، فزيادة المدى الشاقولي للقصف المدفعي يكون دوما على حساب النقصان في المدى الأفقي.
لم تَحرمني الحياة متعة التواجد على أرض جبل الشيخ وعموم مرتفعاته، حين أتممت معظم خدمتي العسكرية فوق تلاله ووهاده، وهي التلال والمرتفعات التي أَكَلت من أَقدامي ما أَكلت صعودا وهبوطا، مشيا على الأقدام، ومرورا بسيارات (التاترا والزيل) العسكرية الروسية والتشيكية الضخمة المخصصة للصعود والانتقال على قمم ومرتفعات جبل الشيخ، كذلك الزحافات الثلجية التي كانت من مهامها جلب الغذاء والتموين والعتاد لنا في أوقات هبوب العواصف الثلجية القاسية.