[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
جميع المصادر والكتب التي قرأناها منذ زمن تتحدث بإعجاب بالقائد البابلي الشهير نبوخذ نصّر، لكن قبل فترة شاهدت وثائقيا بثته إحدى الفضائيات العربية يرسم صورة مغايرة تماما، وتفاجأت بحجم التحامل والضغينة التي تضمنها الوثائقي، حاولت أن أجد إجابات لأسئلة عديدة عن سبب بث هذا الفيلم الوثائقي من قبل فضائية عربية، لكن سرعان ما عرفت السبب بعد أن تبين أن إنتاج الفيلم قد تم من قبل شركة ألمانية، وأن ما تضمنته هذه المادة التاريخية تشير إلى الأطراف التي تكن الحقد والضغينة لبابل وملكها الكلداني، أنه أحد الملوك الكلدان الذين حكموا بابل، وأكبر أبناء نبوبولاسر، ويعتبر نبوخذ نصر أحد أقوى الملوك الذين حكموا بابل وبلاد ما بين النهرين، حيث جعل من الإمبراطورية الكلدانية البابلية أقوى الإمبراطوريات في عهده، بعد أن خاض عدة حروب ضد الآشوريين والمصريين، كما أنه قام بإسقاط مدينة أورشليم (القدس) مرتين الأولى في سنة 597 ق م والثانية في سنة 587 ق م، إذ قام بسبي سكان أورشليم وأنهى حكم سلالة داؤود، كما ذكر أنه كان مسؤولًا عن بناء عدة أعمال عمرانية في بابل مثل الجنائن المعلقة وبوابة عشتار. وتتفق على هذه الحقائق الغالبية العظمى من المصادر التاريخية، كما أن آثار بابل التي ما زالت شاخصة تؤكد ذلك.
ووفقا للمراجع التاريخية، فقد عامل نبوخذ نصر اليهود في بابل أحسن معاملة مع إغداق السخاء والكرم عليهم، بغية الاستفادة من وجودهم في إعمار بلده، الذي كان يحرص على تقدم العمران فيه، وسمح لهم أن يقيموا في وسط المجتمع البابلي بعد أن أقطعهم أحسن الأراضي الزراعية، كما سمح لهم أن يكونوا لهم مجتمعا موحدا مستقلا في إدارة شؤونه الاجتماعية والدينية، ويذكر Graetz في كتابه (History of the Jews) أن نبوخذ نصر، سمح للعائلة المالكة، أن يعيشوا أحرارا مجتمعين في مكان واحد هم وخدمهم وعبيدهم يمارسون إدارة الأعمال وفق عاداتهم وتقاليدهم من غير أي تدخل في شؤونهم.
ويؤكد ذلك الكاتب اليهودي (ابراهام بن يعقوب) إذ يذكر: أن الوضع الاقتصادي والسياسي والروحاني ليهود بابل كان جيدا في ذلك الوقت، فقد تمتعوا بكل حقوق المواطنة، فعملوا في الزراعة والتجارة والصناعة، وكان عدد منهم أصحاب ثروات وأصحاب حقول وبساتين وأصحاب أملاك وتجارا وجباة وما شابه ذلك.
ويشير ارنولد توينبي المؤرخ المعروف إلى أن ملك بابل قد سمح لليهود بالعيش الرغيد في ظل الدولة البابلية واستفاد اليهود كثيرا من الامتيازات، التي منحهم إياها الكلدان، فأصبح في صفوفهم الكثير ممن تمرسوا على أساليب الحكم والسياسة وممن أتقنوا الحرف والصناعات المختلفة، وعظم شأنهم بين البابليين (أنبياء إسرائيل ص202).
وتعترف المصادر اليهودية بأن اليهود في بابل، أصبحوا في غضون مدة وجيزة أغنى أهل بابل، فبعضهم امتلك الأراضي الزراعية والبعض الآخر كان يزرع بالفعل في الأراضي التي اقتطعت لهم، وحفروا شبكة من جداول الري والقنوات لإيصال المياه السيحية إلى مزارعهم، وأقاموا السدود لحمايتها من الفيضان، وورد في التلمود البابلي كثير من الشروح والتعاليم والإرشادات المتعلقة بالزراعة، وهي موجهة لليهود الذين يعملون في الزراعة في بابل ويتناول التلمود أيضا كيفية زراعة النخيل والعناية بها.
على الطرف الآخر نجد الكثير من الكلام المغاير عن بابل وعن العراق أيضا.