[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]

ليست الصدفة وراء التزامن الذي شهدته الأيام القليلة الماضية ضمن دعوات إلى المصالحة والتوافق والبحث عن نقاط التقاء تضع حدا للخصومات والتوترات، وكل ظواهر القطيعة والاستحواذ غير المشروع.
لقد كان العالم يتحرك خلال تلك الأيام على إيقاع تطلعات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها بمقاصد نبيلة، وآمال لا غبار عليها في الوصول إلى السلام والعلاقات الطيبة والمنافع المشروعة المتبادلة، وإيجاد موطئ قدم للإنصاف والعدل في واقع دولي ذهب بعيدا مع الأسف في صراعاته ومغالباته وتشفياته واستعداءاته بأغلب قارات العالم.
إن تلك المزامنة كشفت حقا عن توق عالمي للخروج من متواليات القطيعة البغيضة، وأول ما استوقفني فيها الرسائل التي بثها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بطل لعبة الكريكيت السابق داعيا الهند للخروج معا من ضغط التباعد والعداء إلى فضاء المصالحة، واضعا برنامجا للمنافسة على هذا الطريق (إذا اتخذت الهند خطوةً واحدةً إلى الأمام سنتخذ خطوتين إلى الأمام نحو الصداقة معها).
لقد جاءت الواقعية في هذه الرسائل خلال تدشينه طريقا خاصا من الحدود الهندية إلى عمق بلاده لتأمين حركة وصول الهنود السيخ إلى معبد لهم في باكستان.
وما استوقفني أيضا واقعية الرئيس الفرنسي ماكرون حين دعا إلى حوار اجتماعي مفتوح بين كل المكونات الفرنسية مع تجميد الارتفاعات الضريبية، وكأنه بذلك يداوي جروحا مؤلمة نزفت وسط موجات غضب أصحاب السترات الصفراء، وليس بعيدا عن ذلك أيضا بنسخة العلاقات الحدودية، ما طرحه العاهل المغربي محمد السادس من أجل تصحيح العلاقة مع الجزائر والتناغم السريع الذي جاءه من الجزائريين، في إطلالة يمكن أن تضع حدا لخصومات وتوترات مشتعلة بين البلدين على هامش قضية البوليساريو، وبرغم النزعة الذاتية المشتركة لدول مجموعة العشرين خلال مداولات زعمائها في قمتهم التي عقدت بمدينة بوينس آيرس الأرجنتينية للبحث عن أفضل السبل لتعزيز التعاون بينهم، لكن هامشا أضاء بعض الأمل عندما زينوا جلساتهم وبيانهم الختامي في الدعوة إلى تنمية عالمية منصفة ومستديمة، وبمعنى ما أنهم أعطوا للدول الفقيرة بعضا من حصة الاستقطاب التجاري العام، وما يضاف إلى ذلك نتائج تمخضت عن عشاء العمل بين الرئيسين الأميركي والصيني، والطريف أن العشاء تضمن وجبة خفيفة قابلة للهضم في معدتي بكين وواشنطن، خصوصا مع الاتفاق على أن لا يلجأ الرئيس الأميركي إلى فرض أية زيادات في الرسوم على البضائع الصينية ابتداءً من شهر يناير ـ كانون الثاني ٢٠١٩.
ولنا أيضا أن نتوسم ثقةً بأن يقلل الطقس البارد في السويد من حرارة ضغائن وشكوك وألم (زيّنت) اليمن، علما أن فرصة الوصول إلى السلام متاحة للطرفين وهي موجودة فعلا على طاولة المباحثات وليس (تحتها)، فهل ينتبهان لها بعيدا عن ضغوط العمى السياسي ومخاوف الخديعة.
وليسمح القارئ الكريم لي، أمام هذه العلامات الواعدة أن أعود صاغرا إلى مشرد لبناني اتخذ من إحدى المصاطب المواجهة لصخرة الروشة البيروتية مأوى له حين أملى علي شروط الإصغاء، قائلا: (مرتبة السلام ليس للمساومة) وكأني به يستعيد عبارة الأديب الروسي باسترناك صاحب رواية الدكتور زيفاكو (الصمت صليب في بعض الأحيان) فهل نملك أمل النزول عن صلباننا التي تحملنا، ونترجل من الجلجلة إلى حضرة حوار بناء بعيدا عن ثرثرة إعلامية فاسدة عصفت بالذاكرة العربية وأخضعتها للتجزئة والضياعات.
إننا عربيا وعلى وفق منظومة الأسبقيات، علينا أن نتوقف عند الحديث النبوي الشريف (ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل من أجل عصبية)، فهل لنا أن لا ننتصر لصناع المشاكل؟