[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
سبعون عاما على النكبة والمتغيرات في اسرائيل، عنوان كتاب جديد للكاتب د. فايز رشيد، (ولد عام 1950 في فلسطين، يعيش حاليا في الأردن، طبيب وكاتب سياسي، روائي، شاعر، وكاتب قصة قصيرة، له العديد من الأبحاث والمقالات المنشورة في عدة مجالات وصحف عربية مختلفة، والكتب المنشورة، كما أنه كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي- الصهيوني الإسرائيلي، كما سجل في تعريف المؤلف). يضم الكتاب خمسة أقسام ومقدمة وخلاصة في 282 صفحة من القطع الكبير، ط1 عمان، 2019.
كتب المؤلف في المقدمة أنه أراد لكتابه هذا أن يكون مختلفا عما سبقه. حيث تعود على إرسال سبعة أسئلة إلى الأمناء العامين أو من ينوب عنهم من الفصائل الفلسطينية والعربية إضافة إلى سياسيين ومثقفين فلسطينيين وعربا، حول مسار الصراع مع إسرائيل، يجيبونه عليها ويجمعها بكتاب، تتنوع فيه الرؤى واشكال الاجابات، رغم أنها جميعا تصب في مجرى استحالة قيام سلام من اي نوع مع هذا الكيان المغرق في إجرامه ووحشيته ومذابحه. وقبل نهاية العام الماضي ارسل إلى من بقي حيا من تلك الأسماء، إضافة إلى أخرى جديدة. طال الوقت ولم يستلم ردا سوى من ثلاثة مشكورين. "هذا رغم تذكيري للمعنيين ثلاث مرات. لكن للأسف لم يرد أحد منهم، ولم يكلف نفسه عناء كتابة سطر واحد، يعتذر فيه عن الإجابة!.". هذا السبب دفع المؤلف إلى التركيز على المتغيرات في الداخل الإسرائيلي، وانعكاسها على مسيرة الصراع. وأكد أن متغيرات كثيرة حصلت خلال العقود السبعة المنصرمة."وادعي أن من يؤمن بإقامة سلام مع هذا الكيان، ويراهن على ما يسمى بحل الدولتين أو حل الدولة ثنائية القومية أو حل الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة لم ولا يدرك حقيقة اسرائيل، ولا جوهرها ولا إلى أين تسير المتغيرات فيها، وبالتالي لم يقرأ التاريخ ولا حقائقه، ولا يدرك العوامل الحقيقية المتعلقة بالصراع مع هذا الكيان اللا نمطي في التاريخ الاستعماري للشعوب".
من خلال عناوين الأبواب يمكن الاطلال على محتوى الكتاب، فالقسم الأول جاء بعنوان: حقائق الصراع بعد سبعين عاما، والقسم الثاني بعنوان: السعي الصهيوني لتحقيق "يهودية الدولة"، والثالث بعنوان: وعد بلفور... مئوية الوعد بشكل عام، وعنوات الرابع: عقلية الفيتو و"الحيوانات المفترسة"، والخامس والأخير: أجوبة ثلاث شخصيات عن نفس الأسئلة المعدة.
كل قسم من الكتاب تتوزع اهتماماته في قراءة المتغيرات والوقائع القائمة داخل الكيان الغاصب، وتثبت موقف الكاتب ومهمته في اصدار الكتاب. ولا يتردد في مناقشة ما صدر من إسرائيل والرد عليه. مقدما عرضا فكريا نضاليا للتطورات والمنعطفات. فيلخص المتغيرات التي تبلورت خلال العقود الطويلة في أن المشروع الصهيوني للمنطقة العربية، وبفعل مستجدات واكبت تطور الصراع فيها، فشل في إقناع غالبية اليهود، وان استبداله من الاحتلال الجغرافي إلى السيطرة الاقتصادية وبالتالي السياسية تعمق في أذهان اليمين الإسرائيلي وتأثيره. كما رأى أن التحولات الجارية داخل الكيان مذهلة في مضامينها، وكلها تشي بارتفاع نسبة الاصوليين بين اليهود إلى مستويات قياسية، مما يعني أن الكيان يتحول بسرعة إلى التطرف والعنصرية والعدوانية. ولاحظ تفنن الكيان الإسرائيلي في المزاوجة بين القوننة العنصرية والنهج السياسي، بمعنى الهيمنة الصهيونية بالقوانين العنصرية، والسعي لتحقيق الاعتراف الدولي والعربي والفلسطيني بـ "يهودية الدولة". وأشار إلى المتغير الآخر في التحول العلني في موقف الولايات المتحدة الأميركية في تعاظم تأييدها الكيان وعناصر خطتها للتسوية، وتبني الرواية الإسرائيلية دون تحفظ. هذه المتغيرات وغيرها فعلت فعلها في الصراع العربي الإسرائيلي وتطلبت المتابعة والوعي بها لمعرفة سبل المواجهة والتصدي والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
بحث المؤلف في ايديوجية الكيان وفضح استنادها إلى الخرافات ومحاولات تكريسها في الوعي الشعبي والاشارة الى التحولات السياسية من جهة ومحاولات تأجيج او استثمار الصراع الديني من جهة أخرى. مؤكدا على ضرورة "اعتماد رؤية موضوعية تحليلية للتاريخ، والواقع، ومحاولة استشفاف للمستقبل بافق علمي بعيدا عن الشطح يمينا أو يسارا.."(ص (201).
في الخلاصة انتهى الكاتب الدكتور فايز رشيد الى أن الكيان الإسرائيلي يسير بتسارع متزايد نحو ما بعد الفاشية وما بعد العنصرية، وان من سماته الإرهاب والعدوان وفرض ما يريده على الأرض، في إطار مخطط الأيديولوجية الصهيونية. وان وجود الكيان يتناقض مع السلام الحقيقي، وما يريده هو استسلام الفلسطينيين التام وقبولهم بقوانينه وأولها "يهودية الدولة"، وتطبيع علاقاته مع الدول العربية مجانا والإقرار بوجوده على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه والأمة العربية والإسلامية. واستنتج الباحث أن انعكاس المتغيرات الإسرائيلية على حل الصراع هو في المزيد من التمسك بالأهداف الصهيونية، وإبعاد الحلول المطروحة، كحل الدولتين، أو الدولة الثنائية القومية، أو الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة، بمعنى عودة الصراع إلى مربعه الأول.
ناقش الكتاب مقولة "الديمقراطية الإسرائيلية"، مشيرا إلى هامش ديمقراطي لليهود الغربيين الاشكناز، وحرمان وانقاص كل هامش أو مجال لليهود الشرقيين، وتساءل بعد كشف سريع عن أوضاع العرب وما يعانونه فعليا، من حصار واضطهاد وتمييز وعنصرية، هل يتجرأ أحد ويقول دولة ديمقراطية؟، (ص 270) كما عرج الى أخطار الانقسام الفلسطيني وآثاره التدميرية على عموم القضية والحقوق. وواصل مطالبا "إجراء مراجعة شاملة، بخاصة لمرحلة ما بعد أوسلو، وإيجاد برنامج استراتيجي يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الإسرائيلية ومتطلبات مواجهتها، إضافة إلى انتهاج تكتيك سياسي يصب في المجرى الاستراتيجي. كما أن إعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية لتضم كافة الفصائل، واصلاح مؤسساتها، وإلغاء اتفاقية أوسلو وتداعياتها، وإنشاء الجبهة الكفاحية الوطنية العريضة، والأخذ بعين الاعتبار البعد القومي العربي لقضيتنا الفلسطينية، والتلاحم العضوي معه، في ظل توجه إنساني عادل نحو مؤيدي قضيتنا على الصعيد العالمي"(ص 272).
كتاب الباحث الدكتور فايز رشيد جهد فلسطيني واضح ورؤية سياسية لباحث جاد في القضية الفلسطينية، وحرص لإنقاذها مما تتعرض له اليوم، ومواصلة البحث والقراءات من أجل القضية والكفاح الوطني التحرري والمستقبل.