[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
إسرائيل وكما يعتقد قادتها: لها نصيب في مياه الدولة الفلسطينية وقد قامت بإنشاء محطة لاستخراج الغاز في المياه الإقليمية الفلسطينية مقابل شواطئ غزة وتصدره إلى أوروبا. أما بالنسبة للأجواء في هذه الدولة وكذلك مياهها الإقليمية البحرية، فهي أيضًا تحت إشراف إسرائيلي. هذا ما لا نقوله نحن، ولكن كما ورد في تصورات وبرامج الأحزاب الإسرائيلية الأكبر: كاديما، الليكود والعمل.

قام الكيان الصهيوني مؤخرا بمصادرة 4000 دونم من الأرض الفلسطينية في منطقة بيت لحم. هذه الأرض وفقا للادعاء الصهيوني: قامت عليها عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة. إسرائيل تحاول الإيحاء بأن عملية الخطف هي سبب المصادرة! إسرائيل لا تحتاج إلى مبررات لمصادرة أراضي الضفة الغربية. ما صادرته حتى اللحظة ينوف عن 60% من مساحة الضفة الغربية, وليس في نيتها التوقف عن الاستيطان, فهي على العكس: تصاعد من وتائره. معظم الإسرائيليين يؤيدون الاستيطان كما هي الاحزاب بيمينها و(يسارها), شارع بأكمله ينحو باتجاه المزيد من التطرف والفاشية. كتب عوزي برعام سكرتير عام حزب العمل سابقا وعضو الكنيست الحالي عن الحزب, والمحسوب على ما يسمى بالحمائم, مقالة في صحيفة هآرتس (الاثنين, الأول من سبتمبر الحالي2014) قال فيها: "إن معظم الإسرائيليين يشاركون نتنياهو في تشاؤمه الذي يقوم على افتراض أننا في منطقة لا تحترم فيها الاتفاقيات, لذا فإننا نؤيد سياسات نتنياهو وحكومته وتسويغ ما يقوم به بشكل كامل, فنحن نحتفظ بأملاك استراتيجية ولن نقع في فخ السلام". هذا نمط لنهج تفكير من يسمون "بالمعتدلين" في الكيان الصهيوني. بتعبير آخر: لن يكون هناك سلام مع مثل هذا العدو الصهيوني لا الآن ولا مستقبلا, وفي العرف الإسرائيلي: لا مجال لحل الدولتين, وأن الإسرائيليين يخططون لدولة الكيان على كل الأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر. لذا فأية مفاوضات يتحدث البعض عنها ويؤمن بها خيارا وحيدا لاستعادة حقوق الفلسطينيين؟!
هذا يجري في خضم مواقف إسرائيلية معلنة مرارا وتكرارا, وأيضا يجري وسط لاءات إسرائيلية مسبقة للحقوق الوطنية الفلسطينية، إن بالنسبة لحق العودة، أو للانسحاب من كافة مناطق 67، أو للانسحاب من القدس، أو لسحب التجمعات الاستيطانية الكبيرة، أو بالنسبة لسيادة الدولة العتيدة, وذلك بدواعي العقيدة الأمنية الإسرائيلية, التي تُصِر على التحكم في معابر هذه الدولة، وحركة الداخلين إليها والخارجين منها، وعلى حق دخول القوات الإسرائيلية أراضي هذه الدولة كلما شعرت إسرائيل بالحاجة إلى ذلك. وتصر إسرائيل أيضًا على إبقاء قوات إسرائيلية في منطقة غور الأردن (المنطقة الحدودية بين الدولة العتيدة والأردن), وبالطبع لدواعٍ أمنية إسرائيلية.
إسرائيل وكما يعتقد قادتها: لها نصيب في مياه الدولة الفلسطينية وقد قامت بإنشاء محطة لاستخراج الغاز في المياه الإقليمية الفلسطينية مقابل شواطئ غزة وتصدره إلى أوروبا. أما بالنسبة للأجواء في هذه الدولة وكذلك مياهها الإقليمية البحرية، فهي أيضًا تحت إشراف إسرائيلي. هذا ما لا نقوله نحن، ولكن كما ورد في تصورات وبرامج الأحزاب الإسرائيلية الأكبر: كاديما، الليكود والعمل. أما الأحزاب الأخرى الدينية، واليمينية الفاشية: شاس، إسرائيل بيتنا، أجودات هاتوراة وغيرها، فهذه لا تؤمن بوجود الشعب الفلسطيني من الأساس، فكيف ستعمل على إنجاز تسوية معه؟ الملاحظ أن هذه الأحزاب تتمدد أفقيًّا في الشارع الإسرائيلي، ويزداد ثقلها ووزنها السياسي، تمامًا مثلما يشارك حزب إسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان وغيره في الائتلاف الحكومي الحالي. هذه الأحزاب لا تزال تطمح في إنشاء دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. ونحن لا نبالغ في هذه المسألة، فأرض إسرائيل في برامجها ليست مقتصرة ومحصورة في أرض فلسطين التاريخية.
ما قلناه يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك ما نستنتجه وسنقوله في التالي وهو يتلخص في: أن الصهيونية وتمثيلها السياسي إسرائيل, باعتبارهما كلًّا واحدًا لا يتجزأ, هو عدو استثنائي في التاريخ، لا يماثل الحركات الاستعمارية التي جرت خلاله، قديمه وحديثه. هذا العدو يشكل نمطًا جديدًا في حركة الصراع بين الشعوب المحتلة وبين محتلي إرادتها واستقلالها.
هذا العدو اقتلاعي (يقوم على اقتلاع أصحاب وسكان البلد الأصليين من وطنهم, ليحل محلهم)، عقيدي توراتي (تحكمه الأساطير التوراتية)، تبريري في استعمال كل وسائل العنف، المعهود وغير المعهود كما جرى في العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، بما في ذلك ارتكاب المجازر وتنفيذ عقائد القتل للآخر, بالاتكاء على التعاليم الدينية. ترى إسرائيل هذا الآخر في صورة دونية من منظار استعلائي, شوفيني, عنصري, باعتباره مُسَخّرًا لتنفيذ رغبات اليهود (الذين أكرمهم الله وأعادهم إلى أرضهم التاريخية).
كل هذه الاعتقادات تشكّل الخلفية الأيديولوجية العقيدية لغالبية الإسرائيليين, والتي هي مزج بين تعاليم توراتية, ووسائل عصرية حديثة, تجيز استعمال كل الأساليب في تحقيق هذه الأهداف، إضافة إلى نزعة استعمارية اضطهادية للآخر... هذه الخلفية تشكل الأساس النظري للقادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين (وبالضرورة لمعظم الإسرائيليين)، إن فيما يتعلق بمعتقداتهم الاستراتيجية في كافة المجالات: السياسية، الاقتصادية، العسكرية ـ الأمنية، الاجتماعية، أو في ما يخوضونه من تكتيكات سياسية، تتبلور في مختلف السياسات التي تنتهجها إسرائيل عامة منذ قيامها وحتى اللحظة، من خلال رؤى وممارسات عملية, ومنها ما يتعلق بالتسوية مع الفلسطينيين ومع العرب بشكل عام.
هذا الوضع الإسرائيلي الشائك، المتشابك والمعقّد ليس مرشحًا لإحداث تغيير نوعي فيه على المدى القريب والمنظور، فما يزيد على 66 عامًا من عمر هذه الدولة، لم يكن قادرًا على إنتاج سوى المزيد من التطرف في الطرح السياسي، والمزيد من الانغماس في الرؤى الأيديولوجية, والمزيد من المذابح والقتل.
هذا الوضع الإسرائيلي (الذي نصوّر في هذه المقالة جزءًا يسيرًا من تعاليمه وشوفينيته) لا يمكنه إنتاج سلام حقيقي مع الفلسطينيين والعرب، سلام قائم على العدل والمساواة والتكافؤ وغيرها من التعابير والمفاهيم الإنسانية. هذا الوضع غير قادر على إنتاج حل الدولتين، أي قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة مثل كافة أنحاء دول العالم الأخرى، لأن ذلك يتناقض بالكامل مع ما جرى طرحه من سمات لطبيعة هذا العدو. أما فيما يتعلق ببعض الأصوات الإسرائيلية التي تنادي بحل الدولتين فهي أصوات قليلة, لا تتخذ سمة الظاهرة, وبالتالي لا تشكل مظهرا ضاغطا.
انطلاقًا مما تم ذكره، إسرائيل بمفاهيمها الآنفة الذكر, قادرة فقط على إنتاج صيغة واحدة في التسوية مع الفلسطينيين على المدى المنظور, وهي الحكم الذاتي على القضايا الحياتية، حتى لو تم تسمية منطقة هذا الحكم, بدولة أو امبرطوارية لا فرق، المهم أنها حكم ذاتي ليس إلا, فإسرائيل غير قادرة على حل الدولتين وتخطط لدولتها على كل الأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر.