[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
فَشِلَت الولايات المتحدة في تمرير مشروع قرارها الذي يدين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والمقاومة الفلسطينية بشكل عام في الجمعية العامة بالأمم المتحدة في الجلسة التي تمت مساء يوم السادس من كانون الأول/ديسمبر 2018 الجاري، وهو القرار الذي حاولت الولايات المتحدة في نسخته الأصلية إدانة كل أشكال المقاومة في فلسطين في مواجهة قوات الاحتلال، بما في ذلك المقاومة الشعبية السلمية، وإدانة السلطة الوطنية الفلسطينية، وتنظيم حركة فتح الذي يترأسه الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
البعثة الأميركية في الجمعية العامة، وفي نهاية الأمر، أجرت تعديلات محددة على مشروعها وقدمته تحت عنوان "أنشطة حركة حماس وغيرها من الجماعات المقاتلة في غزة"، وهو ما حدا البعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة لتعميم مذكرة تناشد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتصويت ضد مشروع القرار الأميركي الذي يُدين حركة "حماس" والمقاومة الفلسطينية بشكل عام. وقد أشارت المذكرة إلى أن "مشروع القرار الأميركي مناهض للفلسطينيين ويستند إلى حج خاطئة حول قرارات الأمم المتحدة مفادها أن تلك القرارات معادية لإسرائيل ومتحيزة ضدها، وهو ادعاء غير صحيح"، وأكّدت المذكرة أن الجانب الفلسطيني يرفض تلك الادعاءات، لأن تلك القرارات تدعمها أغلبية ساحقة من الدول الأعضاء وتعتبرها قرارات متوازنة تؤكد من جديد على مبادئ واضحة تتماشى مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وحقوق الإنسان.
مشروع القرار الأميركي بنسخته الأخيرة، استلزم لاعتماده التصويت بأغلبية الثلثين، أي ثلثي عدد الدول المصوتة من الــ(193) دولة المنضوية في عضوية الأمم المتحدة، فلم يحصل على الأغلبية المطلوبة. وبالتالي لم يتم اعتماده فسقط تماما، وفشلت واشنطن في تمريره.
وفي تشريحنا لمعطيات ومجريات الوقائع التي رافقت تلك المعركة السياسية والدبلوماسية داخل أروقة الأمم المتحدة، والتي خاضها الوفد الفلسطيني بدعم عربي واسلامي ومن الدول الصديقة، نجد الآتي:
أولا: إنَّ مشروع القرار الأميركي حتى بنسخته المعدلة، غير متوازن على الإطلاق، فهو يساوي بين الضحية والجلاد، عندما يُدين أعمال المقاومة لقوات الاحتلال على تخوم القطاع المُحاصر منذ أكثر من عشر سنوات، ويقفز عن جرائم وسياسات دولة الاحتلال، بما في ذلك الحصار ذاته الذي يطوّق القطاع وحتى مناطق مختلفة من الضفة الغربية والقدس الشرقية. ولا يَذكُر مشروع القرار الأميركي مفردة "فلسطين" أو "دولة فلسطين"، بل يتحدث عن "سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين"، ناهيك عن عدم ذكره لكلمة "احتلال" أو للممارسات "الإسرائيلية"، وقتل الفلسطينيين وحصار غزة، إضافة إلى غياب أي ذكر للاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون أكثر من نصف الشعب العربي الفلسطيني.
ثانيا: الأنكى من ذلك أن مشروع القرار الأميركي يُطالب بنصه "بوقف جميع الأعمال الاستفزازية والأنشطة العنيفة، بما في ذلك عن طريق استخدام الأجهزة الحارقة المحمولة جوا"، والمقصود هنا الطائرات الورقية التي ابتدعها شبان الانتفاضة في القطاع، فيما غابت الإشارة في نصوص مشروع القرار لغارات الطيران الحربي التابع لقوات الاحتلال، وقصفه للمنشآت والبنى التحتية في القطاع، وحتى الدور والمنازل التي تعود للمدنيين، والوقائع على الأرض واضحة وجلية.
ثالثا: حقيقة، تميز الموقف الأوروبي إجمالا عن الموقف الأميركي بحدود لا بأس بها عن الموقف الأميركي، حين عملت بعض الوفود الأوروبية في الجمعية العامة على محاولة صياغة مشروع قرار أوروبي يركز على إدانة عمليات الاستيطان والتهويد في فلسطين، كما يدعو لتحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط على أساس قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية، وخريطة الطريق الرباعية، وإنهاء الاحتلال على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967. واللافت في موضوع القرار الأوروبي، أن نصه كان عبارة عن تعديلات طالب الجانب الفلسطيني في الأمم المتحدة بإضافتها للمشروع الأميركي خلال الجلسة كاستراتيجية تضعف القرار الأميركي. حيث تسمح إجراءات الجمعية العامة إضافة تعديلات أو اقتراحات على أي مشاريع قرار يتم طرحها للتصويت خلال الجلسة، على أن يتم التصويت حول ذلك قبل القبول بإضافة تلك التعديلات أو رفضها، وهو تكتيك يتم اتباعه أحيانا لإضعاف قرار ما، وهو ما تم على كل حال أكثر من مرة في فتراتٍ سابقة.
رابعا: تقدمت أيرلندا، وهي دولة أوروبية، بالتشارك مع بوليفيا وهي من دول أميركا اللاتينية، بمشروع قرار إلى ​الجمعية العامة للأمم المتحدة​ مضاد لمشروع القرار الأميركي، حيث تم توزّيع مشروع القرار الأيرندي البوليفي على الصحفيين في مقر ​الأمم المتحدة​ ​بنيويورك​، وتضمن تعديلات على مشروع القرار الأميركي، الذي تقرر سابقًا التصويت عليه في وقت لاحق. والمهم هنا أن الصوت العالمي بدأ يدب ويتململ من الموقف الأميركي وهو ما حدا دولتين ومن قارتين لتقديم مشروع قرار مضاد لمشروع القرار الأميركي.
خامسا: عمل الجانب الفلسطيني على طرح التصويت بحسب البند 83، المتعلق بالقواعد الإجرائية لعمل الجمعية العامة للأمم المتحدة. وينص البند على أنه يجب أن تتخذ الجمعية العامة قراراتها فيما يتعلق بالأمور المهمة، بما فيها التوصيات الخاصة بالحفاظ على النظام الدولي ومسائل السلم والأمن، بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين والمصوتين، وهو أمر مهم لإسقاط المشروع الأميركي الذي سعت واشنطن لتمريره على قاعدة (النص + واحد).
سادسا: فشلت كل جهود المندوبة الأميركية (نيكي هيلي) في تمرير مشروع القرار، بالرغم من إطلاق التهديدات التي كررتها المندوبة الأميركية (نيكي هيلي)، وحشد الجهود للحصول على دعم لمشروع القرار. تلك المندوبة التي ستغادر موقعها قريبا وهي مثقلة بالهزائم، حيث سبق وأن فشلت في منع تمرير الجمعية العامة لقرارات تدعم الحقوق الأساسية والمشروعة للفلسطينيين، ناهيك عن سجلها المشين في ما يخص الموافقة ودعم انسحاب بلادها من اتفاقيات عديدة، بما فيها اتفاقية باريس للمناخ والانسحاب من مجلس حقوق الإنسان، وتخفيض مساهمات الولايات المتحدة المالية لمنظمات الأمم المتحدة.
أخيرا، إنَّ فشل عملية تمرير القرار الأميركي بإدانة المقاومة في فلسطين ضد الاحتلال، وبالدبلوماسية الناجحة والموقف المتماسك للبعثة الفلسطينية، سقوط مدوٍّ للغطرسة الأميركية وانتصار لشرعية مقاومة الشعب العربي الفلسطيني، وتعزيز لقواعد القانون الدولي.