[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
كثيرا ما صاحب تصريحات المسؤولين العراقيين وخصوصا القيادات العسكرية على أهمية الحرب النظيفة في معرض حديثهم عن استعادة المدن التي كانت تحت سيطرة "داعش"، وإبعاد المدنيين من أهوالها، لا سيما محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد.
الوقائع التي خلفتها معركة الموصل بعد عام على استعادتها تشير إلى عكس ذلك، وتفند تصريحات القادة العسكريين الذين قادوا وأشرفوا على الحرب النظيفة. واستنادا إلى مصادر متطابقة عراقية ودولية ـ وزارة التخطيط ومنظمات حقوق الإنسان وشهود عيان ـ صحف ووكالات ومنظمات لحقوق الإنسان فإن حصيلة معركة الموصل خلفت نحو (40) ألف قتيل معظمهم من النساء والأطفال، وتشريد نحو مليون من أبناء المدينة تحولوا إلى نازحين، فضلا عن نحو عشرة آلاف مفقود بضمنهم نحو (6) آلاف ما زالوا تحت الأنقاض، ناهيك عن انتشار الأمراض والأوبئة، وغياب أي رعاية صحية لسكان أحياء المدينة. ولم يقتصر التدمير على ذلك، وإنما طال المؤسسات الصحية والخدمية والتعليمية التي أصبح معظمها خارج الخدمة.
إن معركة الموصل لم تكن نظيفة أبدا، ولم تأخذ بنظر الاعتبار شروط الاشتباك بالمصطلح العسكري، كما أنها لم تراعِ الكثافة السكانية التي أصبحت أمام فوهات مدافع الدبابات وصواريخ الطائرات، فتحولت المدينة، لا سيما جانبها الأيمن إلى مجرد أطلال دفن تحت أراضيها آلاف السكان المدنيين إلى حد مقارنتها بما حدث في مدينة ستالينجراد الروسية.
لقد تحولت مدينة الموصل بعد عام على استعادتها من "داعش" إلى مجرد مدينة لا تحمل من الاسم إلا الذكرى من فرط ما أصابها من تدمير بفعل الحرب النظيفة التي حولتها من مدينة كانت عامرة ومشعة حضاريا وتاريخيا إلى أنقاض، يرزح تحتها الآلاف من أبنائها بعد أن تخلى عن نجدتهم وإخراجهم المجتمع الدولي وقبله السلطات العراقية المعنية.
وما يثير الاستغراب والدهشة خلو موازنة عام 2019م من أي تخصيصات مالية مجزية لمحافظة نينوى ومركزها الموصل طبقا لما صرح به بعض نوابها، الأمر الذي سيزيد من تفاقم أزمة أهلها الحياتية؛ فموازنة (2019م) خلت من تخصيصات ضرورية لنجدة أهلها المتضررين من العمليات العسكرية التي طالت كل مناحي الحياة في المدينة، ناهيك عن إعادة اعمارها.
وأمام هذا المأزق الذي سينعكس سلبا على المدنيين، نرى الطبقة السياسية مشغولة في البحث عن مخرجات لأزمتها في معرض تقاسم السلطات وامتيازاتها من دون أن يلتفتوا إلى معاناة وقصة مدينة دفعت ضريبة مضاعفة لحرب توقع لها أن تكون نظيفة، غير أنها كانت مدمرة أتت على الأخضر واليابس.
فالطبقة السياسية التي استدارت عن ما حصل وجرى ويجري في المدن المستعادة من "داعش" لا سيما الموصل تعاني من أزمة ثقة لن تستطع من الخروج من سعيرها الذي وضع العراق أمام خيارات خطيرة قد تعمق معاناة العراقيين؛ لأن أزمات العراق وتركاتها ترحل من عام إلى آخر، وتزيد من وطأتها على المشهد السياسي، لا سيما تفاقم وتغول ظاهرة الفساد في الحياة السياسية، وتورط أركانها في عملية السطو على المال العام خلال السنوات الماضية الذي تورط في سرقته نحو (350) وزيرا ووكيل وزير ومديرا عاما في مؤسسات الدولة طبقا لهيئة النزاهة العراقية التي أصدرت أوامر قبض بحق نحو 120 مسؤولا بالسرقة من دون أن يجلب أي واحد منهم إلى القضاء، حيث قدرت مؤسسة الشفافية ولجان النزاهة بسرقة نحو (320) مليار دولار من أموال العراق التي كانت مخصصة لسعادة أبنائه وإعمار مدنهم المدمرة، غير أنها ذهبت إلى جيوب اللصوص وحيتانهم.
وبعد مرور عام على استعادة الموصل، نقول عن أي نصر يتحدثون؟ نصر خلف آلاف الضحايا ودمر مدينة وما عليها؟
.. نعم كانت معركة نظيفة!!