[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
أول من تأثر بالغزو الأميركي للعراق ومن ثم احتلاله من تبقى من يهود العراق، أولئك الذين أصروا على البقاء في بلدهم رغم المحاولات الكثيرة التي توزعت بين الإغراء والترهيب منذ أواخر أربعينيات القرن العشرين حتى الغزو الأميركي في ربيع العام 2003، وكانت حياة اليهود في العراق تسير بانسيابية تامة دون وجود أية منغصات تذكر، وأذكر هذه المعلومات بعد لقاءات عديدة جمعتني بشخصيات يهودية في بغداد خلال الفترة التي أمضيتها في تأليف كتاب عن يهود العراق، وفي يوم الثلاثاء الموافق الثامن عشر من أيلول/سبتمبر 2001، احتفلت الطائفة اليهودية في العراق بهدوء بالسنة الجديدة التي تحمل الرقم 5762، ومارس أعضاء الطائفة طقوسهم التقليدية في هذا اليوم، ويبلغ عدد اليهود في العراق في ذلك الوقت (حسب مقابلة الكاتب مع محامي الطائفة) (32) نسمة يعيشون في العاصمة بغداد، ويلتقي أعضاء الهيئة الإدارية بصورة دائمة في مقر الطائفة، الذي يقع على ضفة نهر دجلة، ويتكون من طابقين، وهو من الطراز المعماري البغدادي القديم، ولا يحتاج زائره إلى طول عناء في البحث عنه، إذ يجد من يدله بمجرد أن يسأل أحد العاملين في شارع النهر "المستنصر" الذي يعد من الشوارع التجارية القديمة في بغداد، ويقع بين نهر دجلة وشارع الرشيد، وهو أقدم شارع في بغداد، وعلى مقربة منه تقع غرفة تجارة بغداد، التي أسست مطلع القرن العشرين، وفي الجانب الآخر، ما زال هناك شارع المصارف وسوق دانيال، وجاءت تسميته نسبة لإحدى العوائل اليهودية الثرية في العراق، عائلة دانيال، وما زالت السوق تحمل هذا الاسم، وتختص محلاتها ببيع الأقمشة ومستلزمات الخياطة، وهي التجارة التي بدأ اليهود العراقيون يتعاملون بها منذ بداية القرن العشرين وارتبطوا بعلاقات تجارية مع معامل النسيج في مدينة مانجستر البريطانية (دليل الدولة العراقية 1936).
وبرغم التوسع الهائل الذي حصل في العاصمة العراقية خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، إلا أن المنطقة المحاذية لشارع النهر وشارع الرشيد، والممتدة إلى شارع الكفاح ومنطقة الشورجة، ما زالت هي السوق التجارية الأولى في العراق، حيث يتركز الغالبية العظمى من تجار الجملة في هذه المنطقة التي تنحصر بين ساحة الميدان، مدخل شارع الرشيد، والباب الشرقي، ولهذا احتفظت غرفة تجارة بغداد بمكانها المطل على نهر دجلة، وعلى مسافة كيلومترين تقريبا، يقع اتحاد الصناعات، حيث تقابله وزارة التجارة العراقية.
وفي مقر الطائفة اليهودية تلتقي اللجنة الإدارية لليهود العراقيين، وتشرف على أملاك الوقف العائدة لليهود، كما ذكر للكاتب ذلك ـ السيد ناجي جبرائيل يعقوب، رئيس اللجنة الإدارية (مقابلة شخصية 24/7/2001) وتتكون هذه اللجنة من رئيس وعضوين أصليين وعضوين احتياط، وتدير اللجنة جميع الأملاك.
ويقول رئيس اللجنة الإدارية، إننا نتمتع بجميع حقوقنا كمواطنين عراقيين، وهناك تفاصيل كثيرة يجهلها الكثيرون عن الحياة التي نحياها، وضرب مثلا على اندهاش البعض من الذين سمعوا بسفر رئيس الطائفة السابق إلى لندن، وقال: لم يحدث أن تقدم أحد بطلب الحصول على جواز سفر، ورد طلبه، بل إن العديد من أبناء الطائفة يسافرون ويعودون، وهذا أمر طبيعي جدا بالنسبة لنا، ولكنه، ولأسباب كثيرة، يبدو مثيرا للآخرين، واشترك عند هذه النقطة بالذات عزرا صالح (81 سنة) ويعمل مدير إدارة الطائفة، فقال: إن ولدي يدرس الآن في هولندا، ونحن على اتصال دائم معه، وذكر أن له ولدين هما (صالح وعماد) وأن الأول قد أكمل دراسته باختصاص هندسة كهرباء بجامعة بغداد، ثم سافر لإكمال دراسته الجامعية العليا في إحدى الجامعات الهولندية، أما ابنه الثاني (عماد عزرا) فهو يعمل في قطاع الأعمال الحرة ببغداد، ويمارس أعماله التجارية مع إخوانه من التجار، يقول عزرا صالح، إن ولدي عماد أكمل دراسته الجامعية في كلية الإدارة والاقتصاد، وبعد أن أكمل ولداي دراستيهما منتصف الثمانينيات، التحقا بالجيش لأداء الخدمة العسكرية، أثناء الحرب مع إيران.
إلا أن أوضاع العراق بعد الغزو مباشرة، وما خلفه الوجود الأميركي في العراق، قد أثر سلبا على يهود العراق في بغداد فاضطر الغالبية العظمى منهم وربما جميعهم لمغادرة العراق.