أخي القارئ الكريم: إن معنى النصيحة فى اللغة الخلوص، فالشيء الخالص من الشوائب يسمى خالصا لذلك وضحها النبى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذى يرويه الإمام مسلم عن أبى رقية تميم الدارى ـ رضى الله عنه ـ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:(الدين النصيحة (ثلاثا) قلنا لمن يارسول الله قال: لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
إن بذل النصيحة فيما بيننا أهم ما يجب علينا كمسلمين يحب بعضنا بعضا والمراد بالنصيحة فى الحديث الشريف عناية القلب للمنصوح له وخلوصه من الغش وهى تشمل خصال الإسلام والإيمان والإحسان لأن الدين يشمل هذه الأنواع الثلاثة فهو من جوامع كلمه (صلى الله عليه سلم) وقد وردت بمعناه أحاديث منها (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن لم يُمس ويصبح ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم) المعجم الأوسط وقد ورد فى أحاديث كثيرة طلب النصح للمسلمين عموما وفى بعضها طلب النصح لولاة أمورهم وفى بعضها طلب نصح ولاة الأمور لرعاياهم.
وقد ذكر الله تعالى فى كتابه الكريم أن الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ قد نصحوا لأممهم قال عز وجل عن نوح عليه الصلاة السلام أنه قال لقومه:(أبلغكم رسالات ربى وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون) (الأعراف ـ 62) وقال عن هود عليه الصلاة السلام أنه قال لقومه:(أبلغكم رسالات ربى وأنا لكم ناصح أمين) (الأعراف ـ 68)، وقال عن صالح عليه الصلاة السلام أنه قال لقومه:(لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولن لا تحبون الناصحين) (الأعراف ـ 79)، وهذا سيدنا شعيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال لقومه:(لقد أبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين) (الأعراف ـ 93).
وقد بيّن النبى (صلى الله عليه وسلم) مواضع النصيحة فى هذا الحديث الشريف أنها تكون لله عز وجل بمعنى أن يقوم العبد بما أوجب الله تعالى عليه من العبادات ويتقرب إليه بنوافل الطاعات ويترك ما نهى الله تعالى عنه من المكروهات فضلا عن المحرمات وأن يكون عمله خالصا لوجهه الكريم. قال الحواريون لعيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما الخالص من العمل قال: ما لا تحب أن يحمدك الناس عليه قالوا فما النصح لله قال: أن تبدأ بحق الله تعالى قبل حق الناس وإن عرضك أمران أحدهما لله والآخر للدنيا بدأت بحق الله تعالى وقال العلماء فى معنى النصيحة لكتاب الله الإيمان به ومحبته واتباع ما جاء فيه وتعظيمه وإجلاله وتعلمه وتعليمه وتفهمه وتدبره ومداومة تلاوته فيجب على المسلمين أن يتجهوا إلى كتاب ربهم فيدرسوه ويُدرسوه لأولادهم فى المساجد والمدارس والبيوت وأن تكون له المكانة الأولى التى تليق بأنه كتاب رب العالمين أنزله على سيد الأولين والآخرين.
ومعنى النصيحة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حياته بذل الجهد فى طاعته ونصرته ومعاونته بالنفس والمال كما كان الصحابة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ وبعد انتقاله (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفيق الأعلى تكون النصيحة بطلب سنته ودراسة سيرته وتعليمها لأبنائنا للاقتداء به والتخلق بأخلاقه وتعظيم أمره وترك مخالفته وبُغض من خالف سنته وأن ‎يكون النبى (صلى الله عليه وسلم) أحب وأعظم من محبتنا لأبنائنا وآبائنا وأنفسنا والناس أجمعين وكذلك محبة قرابة النبى (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام وطاعته (صلى الله عليه وسلم) فيما أمرنا به وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه ولا نعبد الله تعالى إلا بما شرع.
ومعنى النصيحة لأئمة المسلمين المراد بهم ولاة الأمور والنصيحة لهم حب صلاحهم واستقامتهم وحب اجتماع كلمتهم على الحق وطاعتهم بالمعروف وإعانتهم على الخير وعدم معصيتهم أو الخروج عليهم ما لم يحدث منهم كفر بين وقد أمر الله ورسوله بطاعة ولاة الأمور ما لم يأمروا بمعصية الله وحرم الله ورسوله معصيتهم وشق عصا الطاعة وتفريق الكلمة وأمر بالضرب على يد من حاول ذلك فطاعة ولاة الأمور واجبة وإن جاروا وإن ظلموا ما لم يخرجوا بظلمهم أو جورهم عن دائرة الإسلام ومن النصيحة لهم اسداء المشورة النافعة لهم ودعوتهم إلى الخير وتنبيههم على الخطأ بطريق المشافهة أو المكاتبة وكذلك من النصيحة لأئمة المسلمين التعاون معهم بالقيام بالأمور التى يسندونها إلى موظفيهم فيجب على من ولاه ولى الأمر وظيفة من الوظائف أن يقوم بها خير قيام ولا يتساهل بشأنها أو يضيع شيئا من أعمالها فإن ذلك من الخيانة التى حرمها الله ورسوله.
أما النصيحة العامة للمسلمين فمعناها أن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه ويشفق عليهم ويرحم صغيرهم ويوقر كبيرهم ويرشد ضالهم ويعلم جاهلهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وأن لا يغشهم إذا استشاروه فى أمر ولا يغشهم فى البيع والشراء وسائر المعاملات وإذا تولى بعض أمورهم قام بهذا العمل على أكمل وجه فلا يخونهم إذا ائتمنوه ولا يغدر بهم إذا عاهدوه ولا ينم ولا يغتاب ولا يغش ولا يخدع ولكن النصيحة للمسلمين فى هذا الزمان ربما أن تكون فقدت أو غابت بعض الوقت لانشغال الناس بأمور ربما لا تقل أهمية عن النصيحة للمسلمين ولكن من المفروض أن ينصح كل مسلم لأخيه حتى يكون المجتمع كله أمن وأمان بدون غش ولا خداع فعلى أصحاب المعاملات التجارية أن ينتبهوا إذا دخل الغش تجارتهم ويصدقوا القول فى البيع والشراء وعلى المشترى أيضا ألا يبخس التجار حقهم.
أيها القارئ الكريم: المسلم يجب أن تكون قدوة صالحة لغيرك فى كل تصرفاتك قال الحسن رحمه الله والذى نفسى بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله أن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ويحببون عباد الله إلى الله ويسعون فى الأرض بالنصيحة قال الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) (سورة الأحزاب ـ 70).
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن الكريم الذي رفعت مكانه وأيدت سلطانه ووضحت برهانه .. آمين .

إبراهيم عبد العزيز محمد فرج