[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/nawafabohyga.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]نواف أبو الهيجاء[/author]
في متابعة سياسات الاحتلال على مدى تاريخه منذ إنشائه على أرض فلسطين عام 1948م وحتى اليوم لا بد أن يسجل المراقب حقيقة بارزة في استراتيجية العدو في التعاطي مع أعدائه ـ فلسطينيين وعربا.
أهم ملامح هذه الاستراتيجية هي إقدامه دائما على (تفكيك) عدوه أو أعدائه. بمعنى إضعاف صلابة مواقفهم وبث روح الفرقة في صفوفهم. ومنذ عام 1965م حتى اليوم عمد إلى زيادة وتوسيع الهوة بين المنظمات والفصائل الفلسطينية التي تلتقي جميعها عند التحرير وتختلف في (الطريق) إلى التحرير كما في الأيديولوجيات التي تتبناها هذه التنظيمات والمتراوحة بين (اليسار) والوسط المتدين والعلماني وبين اليمين (شديد التمسك بالدين الإسلامي).
برزت استراتيجية العدو هذه مع ظهور وقوة حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى جانب الحركة الكبرى (فتح). وحاول العدو إعلاميا وسياسيا أن يفصلهما عن حركات فلسطينية أخرى وبالضرورة عن الحركة الكبرى (فتح). وجاءت أحداث الانتخابات قبل نحو سبعة أعوام ليعمل العدو على تمزيق الوحدة الفلسطينية وتجذيرها وتعميقها ـ بين الحركتين الكبريين حماس وفتح ـ وساهمت الأحداث الدامية في فك ارتباط قطاع غزة بالضفة الغربية وإنشاء أو قيام حكومتين فلسطينيتين: في رام الله للسلطة وفي القطاع لحماس.
ساعدت الولايات المتحدة وقوى دولية وإقليمية في وضع حماس على قائمة الإرهاب الدولي ـ متميزة عن السلطة وفتح ـ للعمل على تفكيكهما وضربهما ببعضهما والانفراد بهما وبغيرهما واحدة إثر أخرى مع بقية الفصائل الفلسطينية. كما أن العصبوية التنظيمية أصابت كمرض خطير الفصائل عموما وبالذات أصابت الحركتين في الصميم. حتى في ظل أجواء المصالحة ظلت العصبوية سمة من سمات الفصائل الفلسطينية. وأسهمت عملية انتماء (حماس) إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في إضافة عامل تفكيكي عربي. فدول عربية ناصبت حماس العداوة من منطلق خلافها العميق مع حركة الإخوان المسلمين مما سهل على العدو أن يزيد من حالة الافتراق بين الحركة ومناصريها من جهة، وبينها وبين من يختلف مع الإخوان المسلمين من جهة أخرى. ولعبت المحاور العربية دورا في مساعدة العدو على إنفاذ استراتيجية التفكيك.
في قطاع غزة تتبدى الأمور أكثر وضوحا مع الدم والموت ومع المقاومة والتصدي والصمود. أكثر من خمسين يوما من (وحدة الخنادق) أربكت العدو. إلى أن يئس ووافق على ورقة اتفاق إنهاء القتال ووعد بتخفيف الحصار .. ولكن الهدف المعلن هو (تجريد المقاومة من السلاح) ما زال على رأس الفاعلية السياسية الصهيونية والغربية عموما. مع التركيز على أن الحرب كانت ضد (حماس) لتسهيل إثارة النعرات لا سيما بين الحركتين (فتح وحماس ). العدو يراهن على الزمن ثانية لإعادة حال تكريس الانقسام بين الضفة والقطاع. والبوادر لاحت وها هي الاتهامات والاتهامات المتبادلة تحتل العناوين في العلاقة بينهما.
على الفلسطينيين جميعا أن يعوا أننا في مرحلة (حركة تحرير وطنية) تبتعد خلالها صراعات الفكر والعقيدة، وتبرز فقط حتمية الصراع الموحد ضد العدو المحتل. ويبقى الجميع في ظل العلم الوطني ـ علم فلسطين ليبقى الهدف هو التحرير. ومن هنا يجب ألا يقال إعلاميا وتأييدا للإعلام الصهيو ـ أميركي إن ما يجري هو حرب على (حركة حماس) في القطاع. انسياق فصائل أخرى وراء المسمى هذا يساعد على إضعاف وتفكيك الموقف الفلسطيني. والمراهنة هنا على الوعي الفلسطيني وإلقاء الخلافات خلف الظهر والتمسك بالأهداف المعلنة التي يتبناها الفلسطينيون كلهم. فشل العدو في استراتيجية التفكيك طريق نجاح الفلسطينيين في فرض إرادتهم .. وهي التي يمكن أن تدفع بالمواقف العربية إلى أمام خطوات ملموسة. سوى ذلك سينجح المعسكر العدواني في فرض اشتراطاته ومواقفه (عبر وعود براقة لهذا الطرف الفلسطيني أو ذاك) أو عبر (تخويف العرب من بعبع فلسطيني) محتمل إن نجح الفلسطينيون في تحقيق أي إنجاز على بحر من الدماء وأكداس هائلة من الجثث ومن الدمار.