يعد القطاع الخاص ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني ، كيف لا وهو المسؤول عن توفير كثير من المجالات الحيوية التي لا يستغني عنها الإنسان ، فأضحت أساسيات في حياته ، ولن تتأتى تلك الركيزة الحيوية بوجه الصواب إلا بروح التعاون التي ندرك أنها عماد الحياة وقوامها ، بل سبيل إلى الرقي والتقدم ، ليحقّ وصفه بأنه همزة الوصل وواسطة التفاهم والتقارب بين العاملين فيه وبين المجتمع برمته ، فثمة مصانع باتت تنتج الكثير من المأكولات الأساسية ، وبعضها معنيّ بإنتاج المواد الصحية التي لا يستغني عنها الإنسان وأخرى تعنى بإنتاج مواد البناء التي بها يستقيم البناء وينشأ في ظل التنامي القائم في العالم ، إذ بات لهذا القطاع وجاهة استشرافية بها يعرف ازدهار البلاد وبها يعرف تعلم أبنائها وطرائق تفكيرهم ومدى تناولهم تطويره، فأضحى له شأو عظيم في كثير من بلدان العالم لدرجة أنّ معظم الخدمات الحكومية توجه اليوم إلى عملية مستحدثة تسمى الخصخصة.
القطاع الخاص في بلادنا اليوم يتمتع بكثير من الإمكانيّات والمزايا، فبلغ التطوير منه مبلغه ، فعمل على ترتيب وتنظيم موارده البشرية وأصبحت الكثير من الشركات لديها استقلالية خاصة في ملكية الأرض وأتيح لها المجال لاستقطاب الخبرات والكفاءات المهنية العاملة في مجاله ، وهُيٍئت لها أراض صناعية ذات مساحات شاسعة، وخصصت كذلك مناطق صناعية في أغلب المحافظات لأهمية هذا القطاع وضرورة تطويره، إضافة إلى أنّ البلاد اليوم تعوّل عليه كثيرا في عمليات التصنيع والتجديد والاكتفاء الذاتي للمنتجات ، لا نقول ذلك من باب الإطراء بل واقع ملموس، فالتوجيهات السامية اقتضت كفالة حفظ حقوق القطاع الخاص وتطويره، وصيانة تشريعاته وإتاحة المجال له للتطوير وتقديم الدعم والدفع به إلى برّ الأمان لينعم بالإنتاج والاستقرار وليعمّ نفعه المواطن في كافة بقاع عُمان.
نعم لا يتنازع اثنان ولا يتناطح عنزان على كفاءة القطاع الخاص اليوم في البلاد وتهيئة الظروف لإقامته وتوفير كافة ما يعنى بتطويره وتحديثه ، بيد أنّ ما نرمي إليه في هذا النص هم الشباب العماني العامل في مجاله، وما التطرق للنص إلا بعد أن التقيت الكثير منهم عملوا سنوات طويلة قضوها في خدمة الشركات بهدف رفع كفاءة الإنتاج واكتساب الخبرات وصقل المهارات، ومنهم من أحسن في ذلك وأبدع بيد أنّ الثمار لم تكن في المستوى المتأمل لطموحهم، ولم يرض إمكانياتهم التي سخروها لخدمة الشركات التي خدموا بها، كذلك لا نعمم فلربما بينهم المتقاعس عن أداء عمله ، إلا أننا نصف المتمكنين المخلصين في أداء علمهم والمشمرين عن سواعد الجد حين التحقوا وهم فتية في نطاقه، وترعرعوا بين جنباته ، إلا أنّ الإنصاف قد جانبهم ، فاتضح بأن التوجه من بعض رجال الأعمال هو استقطاب الوافد ورفده ومدّه بالمسؤولية الكاملة عن الأعمال، ونحن هنا لا نعارض ذلك مطلقا ، ولكن لا نتفق في أن يتم رفده إلى المؤسسة على حساب من أخلص وأفنى عمره في خدمتها ، من هنا بدأ ظهور ما يسمى بالفوارق الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، فصرف للخبير الوافد ما يسمى بعلاوات تذاكر السفر والتسكين والإعاشة والمواصلات وتوفير سيارة فارهة خاصة ناهيك عن العلاوات المبالغ فيها، وتأمين تعليم لأبنائه وتأمينهم صحيّا إلى جانب التأمين على الحياة ، ويا له من غلاء ظاهر لهذه الفئة..!! فمن أي كوكب ظهرت هذه القدرات؟ ومن أيّ جامعات العالم تخرجت؟ وما أوزان عقولها وأدمغتها؟ وما الذي يمنع من تخريج أبنائنا بذات المواصفات والمقاييس التي نبتغيها لإدارة أعمالنا لنزرع فيهم الثقة وحب العمل وزيادة الإنتاج.
كذلك اتضح بأنّ من الفوارق بين الفئتين ، الترقيات السريعة والزيادات السنوية النامية ، أضف إلى ذلك ما يسمى في قاموس بعض القطاعات بالعلاوات السرية ومن غير المباح الإفصاح عنها وفي المقابل يمنح للعامل من التعمين علاوات لن نذكرها فجميعنا يعلم علم اليقين قيمتها وعدتها هنا يحق لنا أن نطرح عددا من التساؤلات منها : كيف سنمنح الثقة لأبنائنا في إدارة القطاعات الكبيرة؟ وما المانع أن نرقى بأبنائنا في توفير كافة مجالات التدريب كما تعمل اليوم بعض القطاعات ومؤسسات النشر العمانية في كافة جوانبها من صقل لمهارات أبنائها وتدريبهم على أحدث البرامج اللازمة لزيادة الإنتاج ورفع المنحنيات البيانية لأبنائنا من حيث تطوير القدرات وخلق الشخصية الملائمة والتحلي بالصبر ، فلم يخلُ عامل من أثر القدرات الكامنة التي لا تدركها الأبصار، فوجب في هذا القطاع ألا يهمل عامل بائس ، وألا يرد فيه عاجز ، ويؤخذ بيد العليل منهم، فذلك الرقي بعينه حينما نرفع من عزائم أبنائنا في أحلك الظروف.
على كلّ حال لا بدّ أنْ نعي أنّ رقي الأمة لا يقاس إلا بقدر تكاتف أفرادها وتعاونهم على القيام بواجبهم على أكمل وجه، وهو ما يحفظ كيانها ويسعد أبناءها ويعمل على أن تكمن قواهم في جمعهم واتحادهم واتفاقهم فلندرك أهمية بناء قدرات أبنائنا وإسناد إدارة الأعمال لهم ، ونيلهم الثقة التي ترفع قدرهم وخبراتهم فعجلة الحياة تمضي لتتناقص من أعمارنا فلنتعاون على خلق فرص جذابة لأبنائنا ولتتيح لهم مجالات أوسع في هذا المجال وغيره أشبه بسلسلة متواصلة من الحديد تبقى فائدتها في تماسك حلقاتها ، ويذهب ريحها في حال عثرتها وانقطاع حلقة منها.
من هنا نختمُ النصّ بالقول : إنّه متى ما وُجدت الإرادة ودُفعت العزائم وصُقلت المواهب وتحلينا بالصبر وأخذنا بأيدي أبنائنا سواء في القطاعات الخاصة أو العامة فلن يبقى في قاموسهم مفهوم الصعب بل سيجتازون ذلك ، فتتوسع الآفاق وتنفتح الأبواب فلندرك قيمة قيادة أبنائنا لأعمال القطاع الخاص ولننصفهم فيما يتقاضون ، ولتصبح مكانتهم أولى في إدارتهم فتبقى قدراتهم متناغمة مشدودة تنصب في تحقيق هدف واحد وهو التنمية.

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]