[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]

أين المبدأ الأخلاقي بل (الديني) وراء بروز ظاهرة الغش في الامتحانات؟ كل من يتساهل في عملية الغش من معلمين وادارات المدارس والإدارات التعليمية في المحافظات وحتى الأسر هم معنيون بهذا التساؤل، وإننا لنستغرب، كيف يسمح بعض المعلمين،، من الجنسين ،، بأن يتكون ويتأسس (بعض) شبابنا على الكذب والسرقة وخيانة الأمانة والاستهزاء بديننا الإسلامي؟ نعتذر بداية على طرح التساؤل بتلك الصيغة الحادة، لكن، القضية نعتبرها قد وصلت إلى الخطوط الحمراء التي لا يجب السكوت عنها، بل إن الصمت عنها يعد مشاركة في الجريمة، الا يخشى كل معلم (بالذات) من تبعات فقدان الأمانة، وهل هناك من توصيف لفعل يسمح للطلاب بالغش غير تلك التهمة؟ وبالتالي ما عقوبتها في الدنيا والآخرة؟
هل تعلم معالي الدكتورة وزيرة التربية والتعليم عن حجم ظاهرة الغش في الامتحانات؟ ندعوها إلى دراسة هذه الظاهرة سريعا بعد أن رأينا حالات فقد فيها معلمون (لا نعمم) ضمائرهم، ولم يعودوا يفرقون بين الخيانة والمساعدة رغم وضوح الرؤية والفواصل الجغرافية بينهما، ومعها فقدوا الإحساس بخطورة فعلهم على جيل كامل من شبابنا يمكن ان يتأسس ويتكون على الغش، وقد حفزنا التعاطي مع هذه القضية بتلك الحدية، العنوان الذي تصدرنا به المقال، وهو يفتح قضية من أهم وأخطر قضايا التعليم في بلادنا، وهي اعتماد الطلبة على الغش في الامتحانات، وصل الأمر بالبعض إلى أن يضع كتاب التربية الاسلامية في حمام المدرسة حتى يغش منه، هذا زلزال من العيار الثقيل، فلماذا لم يهز الفاعلون في الحقلين التعليمي والديني؟ ربما لم تصل هذه الجزئية من قضيتنا الكبيرة إليهم حتى الآن، لكن القضية نفسها ـ اي الغش ـ لا يمكن لأي واحد منهم أن ينكر علمه بها، ولا أن ينكر مدى انتشارها وتغلغلها في الطلبة، فمن المسئول عنها؟ لن نذهب هنا في تحميل المسئولية كل اطراف العلاقة بالعملية التعليمية والتربوية، فهذا سيناريو مكرر، لكننا سنجعل من واقعة الطالبة مع معلمتها مثالا يفتح لنا الرؤى في دور المعلم في القضاء على ظاهرة الغش أو العكس، وهي اي ظاهرة الغش تعد بمثابة فعل رباعي التداعيات التي عبرنا سابقا، وهي فعلا سوف تؤدي بالطالب إلى الكذب والسرقة وخيانة الأمانة والاستهزاء بديننا الاسلامي، فعل واحد، وهو الغش، له تلك التداعيات الرباعية الخطيرة، فكيف ينبغي السكوت على الظاهرة؟ لن نعممها ولن نقول كذلك أنها محدودة، سنترك لقادة التربية والتعليم في الميدان الحكم على مداها وعمقها، ومهما كان حكمهم، فإن الضرورة تستدعي شن حملة وطنية ضد الغش في الامتحانات، حملة عاجلة وشاملة، لا مؤجلة وجزئية لأن استمرار الغش وانتشارها، واعتماد الطلبة عليها، سيولد لنا جيلا لديه الاستعداد الذاتي على الحصول على أي شي يريده عن طريق الغش، لأنه مكون ومتأسس على النجاح عن طريق الغش، فكيف لو تأطر الغش معه منذ مراحل تأسيسه التعليمي والتربوي الأول حتى الثانوية ومن ثم الجامعي؟ وكيف لو كانت البيئات التي يعيش فيها قائمة على الغش أو مناخاتها مهيئة للغش؟ فهل نتوقع من جيلنا أن يواجها ويقاومها أم يغرق فيها وهو مؤهل تعليميًّا على الغش ؟ وهذه المؤشرات بدلالاتها البعيدة المدى سوف نجدها واضحة في قصة الطلبة مع معلمتها، فالطلبة لم تتمالك نفسها لما رأت المعلمة المعروف عنها بموقفها ضد الغش، والمعروف عنها بجديتها في الحصص الدراسية، والمعروف عنها بقدسيتها للوقت الزمني لكل حصة، فأطلقت الطالبة دون وعي صرخة علنية بمجرد أن رأت المعلمة ضمن المعلمات اللاتي سوف يراقبن عليها سير الامتحانات،، اه ، ضاع مستقبلي ،، تأملوا معنا في دلالات عبارتها ومضامينها، أنها تراهن على الغش في بناء مستقبلها، وهو رهان كلي، له امتداد تاريخي وليس وليد سنة أو سنتين، فالطالبة هي في صف الثاني عشر، والسنة المقبلة ستنهي المرحلة الثانوية، ويبدو من واقع انفعالها ان كل مراحلها التعليمية كانت تعتمد على الغش .. من المسئول عنها؟ المدرس، المنهج، إدارة المدرسة، الإدارات التعليمية في المحافظات، الأسر، كل له دور، لكننا نؤمن أن الفاعلين السابقين في الحقل التربوي والتعليمي لو قاموا بأدوارهم كما يجب، فسوف يتم تفعيل دور اولياء الأمور بصورة تلقائية، كاستنهاض إجباري على وقع الزلزال (الرسوب الجماعي) لو تم تفجيره من قبل أولئك الفاعلين، فهم من يجب أن يتحملوا المسئولية الأولى ببعديه الدنيوي والأخروي، وما احوجنا فعلا لمثل هذا الزلزال، لكنه لن يحدث، فهناك ادارات مدرسية وتعليمية اقليمية سوف تقف حصنا منيعا ضده، لأنها تعتقد أن الرسوب الجماعي سوف يحملونها المسئولية عنه، من هنا ندعو إلى حملة وطنية معلنة وليست سرية ضد الغش، حملة مؤطرة بقوانين عقابية مشددة، يسبقها حملات توعية مكثفة في كل المدارس باستدعاء أولياء الأمور حتى لا يعذر احد بجهله للمسار الجديد، على أن تكون بداية الحرب على الغش في الامتحانات بدءا من اختبارات الفصل الثاني من العام الدراسي الحالي، فخير البر عاجله، والوقت كاف لإبلاغ الرسالة وايصالها لكل اسرة، على أن تشكل في ولاية وليس فقط في كل محافظة لجنة مكونة من خبرات تعليمية رشيدة وحكيمة ولديها هما مرتفعا بالرسالة التعليمية في البلاد، يناط بها ادارة الحرب على الغش، ومرتبطة بالإدارات التعليمية العليا في كل محافظة، ولديها من الصلاحيات ما يخولها لأداء المراقبة وعودة القيم الصحيحة إلى بيئاتنا المدرسية، ويخطئ كل من يعتقد أن تداعيات الغش في الامتحانات سوف تقتصر داخل البيئات المدرسية فقط أو أنها اي التداعيات لن تستمر مع الطلاب إلى المراحل الجامعية أو حياتهم العامة، فالغش في الامتحانات تبدأ من المدارس وسوف تستمر إلى مناحي الحياة، فكيف إذا ما علمنا أن الغش منتشر منذ التعليم الابتدائي وفي كل المدارس حتى الخاصة .. فهل سوف تتحرك سريعا وزيرة التربية والتعليم ؟ المصلحة العامة تحتم على الدكتورة التدخل لوضع حد لظاهرة الغش في الامتحانات وما يصاحبها من حالات متزامنة، فكم من طالب يقدم بحثا ليس له فيه الا اسمه على غلافه .. فقد اصبحت البحوث تجارة لبعض المكتبات الخاصة ولمحلات،، الانترنت،، ولو قام كل معلم ومعلمة ومن ورائهم الادارات المدرسية والتعليمية بأدوارهم في محاربة الغش، لتغيرت واقعنا مدارسنا سريعا، وهذا ما يوحي لنا من خلال موقف تلك المعلمة، فشكرا جزيلا لها ـ وبالتأكيد أمثالها كثير ـ ورغم ذلك، فالكثير قليل، وهنا نريد من كل معلم ومعلمة أن يشعر بحجم ومسئولية امانة صناعة الأجيال مهما كانت سلبية دور الأسر .. فأنتم أوعى المتعلمين، وانتم من شرفتم بحمل الأمانة، فانتبهوا لعظمتها، واحذروا من التقصير فيها، فالحياة قصيرة، وسنسأل عنها، فكيف لو ساهمنا في انحراف سلوك وقيم طالب أو طالبة؟ وكيف لو كان جيلا كاملا ؟ كيف ستصمد حسناتنا مهما كثرت امام انحراف طالب واحد ؟ فكيف بجيل كامل؟ القضية خطيرة ،والمسئولية فيها ستتدرج تباعا من بيده القرار، فهنيا لكي أيتها المعلمة على الوفاء بالأمانة، فأنت في الطريق الصحيح وغيرك في الخطأ بالتأكيد، ورغم ذلك فأنت ومن امثالك يعدون القليل .. وستظلون كذلك، وقد تحبطون .. لذلك، لا بد من حملة وطنية شاملة تقودها معالي الوزيرة لمحاربة الغش في الامتحانات .. وإنزال أقصى العقوبات على كل معلم ـ من الجنسين ـ يساهم في هذه الجريمة.