احدى وتسعون سنة (ماشاء الله) وما زالت الهمة العالية، والقدرة في قمة أدائها، والشرقطة العقلية في غاية التوثب، والتجربة الهائلة تملي حراكا متزايدا، وأما الحضور فحدث ولا حرج. بتلك المفاعيل زار الصحافي محمد حسنين هيكل لبنان من أجل هدف ثمين ربما يكون وراء مهمة قادمة أكبر، أو معنى لإصدار كتاب ذي خصوصية تتعلق بالزيارة.
في هذا الجو اللبناني المتزايد توترا نتيجة الأوضاع في سوريا، والمرشح أكثر فأكثر، كان هيكل في حوار مع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله يستمع إلى تفاصيل عامة ومعلوماتية حول عدة محاور: دور حزب الله في سوريا، والملف الإيراني النووي، إلى جانب العديد من الملفات ذات الصلة المصرية والعربية الأخرى وفي طليعتها العراقية اضافة إلى التركية وغيرها. وما ننقل شذرات منه هنا فيعود للصحافي اللبناني مصطفى ناصر الذي هيأ ذلك اللقاء.
ست ساعات امضاها الجانبان في بحث وتمحيص، ان دل على شيء، فهو يدل على عمق التفاصيل التي سأل فيها وتلقى اجابات مستفيضة. ومن المبكر القول ما هي الملفات الأخرى التي تناولها البحث أيضا، وكيف كان تقييمها، مع استفاضة ايضا من قبله عن الوضع في مصر الذي لا يقلقه كما قال.
ونظرا لدقة مجريات الحديث، قيل ان الخرائط الجغرافية وضعت على الطاولة من اجل اعطاء التفاصيل حقائقها المفترضة، اذ لا قيمة لأي كلام الا في حضرة الخريطة التي هي علم في السياسة كما كان تعاطي الجنرال الفرنسي ديجول، حين جاءه يوما هيكل مرسلا من جمال عبد الناصر في مهمة سياسية، وحين بدأ كلامه وحاول الإطالة، قاطعه ديغول طالبا منه التوقف عن الكلام الانشائي لأن لا قيمة للحديث السياسي اذا لم تكن الخريطة امام المتحاورين.
احدى وتسعون سنة اذن، وما زال هيكل على ألقه المعروف، يسافر وراء الأحداث، ويسعى للمعرفة بنهم لا مثيل له، يقترب من مواقع الخطر، ويتحدى .. ولهذا سنراه قريبا في دمشق، زيارة لا بد منها وفي هذه الظروف الضرورية، وهو ما كان بعض العتاب من نصرالله إليه حول غيابه عن الساحة السورية التي هي بأمس الحاجة إليه.
اما في الملف الايراني فلدى هيكل ايضا تفكير بالسفر إلى ايران، وهو تقريبا من أوائل الصحافيين العرب الذين كتبوا عن تلك الثورة ذلك الكتاب الشهير "مدافع آية الله "، وأول صحافي، ربما اجتمع مع الخميني في طهران منذ اليوميات الأولى للثورة حيث فتح له الخميني خزائنه المعلوماتية وسرد له قصة لم يعرفها هيكل ولا غيره، حين أمر جمال عبد الناصر بصرف الأموال على عائلات الشهداء الذين سقطوا في ايران من جراء عسف الشاه آنذاك وقتله لهم.
كلام كثير لا مجال لذكره سمعه هيكل من ذلك اللقاء المطول، وكلام كثير قاله امام نصرالله قائلا له: لقد قابلت عشرات الزعماء والسياسيين في العالم وكنت انظر اليهم من فوق، اما امامك فأنا انظر اليك من تحت الى فوق ..
لا أحد يصدق ان هذا الطاعن في السن ما زال شباب الفكر والتأمل والتفكير والتعبير والكتابة، بل والهمة العالية التي تدفعه الى التحرك من مكان الى مكان، ومن عامصة الى أخرى، ومن بحث الى بحث اصعب وأدق، ومن ملف الى ملفات. أليس هو هيكل الذي أثرى المكتبة العربية والعالمية بمعلومات ستظل تدين له وحده رفع النقاب عنها.