[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
إن الإنسان الذي يولي مصلحة وطنه ويضع سلامة مجتمعه ويسعى إلى الارتقاء بالمؤسسة التي يعمل فيها، ويحرص على الدفاع عن معتقداته ومبادئه التي يؤمن بها دون أن يداخله التعصب والهوى، ودون أن تهتز قناعاته التي من المفترض أن تبنى على الموضوعية والأمانة ........ فيقدمها في الرعاية والاهتمام والجهد والوقت على حساب مصالحه الخاصة هو إنسان جدير بالثقة.
المصلحة في معاجم اللغة ((ما يبعث على الصلاح أي ما يتعاطاه الإنسان من الأعمال الباعثة على نفعه أو نفع قومه, وصلح الشيء بمعنى أن الفساد زال عنه)). ويختلف مفهوم المصلحة وتتغير مساراتها وتتأرجح ما بين السلب والإيجاب نتائجها, ويبقى دورها مرهونا بنظرة الفرد ورؤيته وتفسيره وموقفه من المصلحة، وفيما إذا كان ينطلق من مفهوم شخصي ضيق يراعي مصلحته الخاصة في مقابل وعلى حساب المصلحة العامة الشاملة أم أن العكس هو الصحيح. إن المصلحة تكون اسما على مسمى كما فسرتها معاجم اللغة, عندما تركز على خدمة العام على حساب الخاص والمجموع قبل الفرد, ولا يخلو المجتمع الإنساني من نماذج ساطعة أعطت المصلحة العامة الأولوية في عملها وعطائها وفي جهدها وقدمت تضحيات نفيسة في سبيل غايات وأهداف نبيلة تصب في مصلحة المجموع, وقدم لنا التاريخ البشري أمثلة مشرقة تعبر عن هذا المعنى أفضل تعبير وقصصا غاية في النبل وفي التضحية تفصح عن سمو الإنسان وعظمته ورقيه عندما تتراجع لديه نزعة الأنا والنظرة الفوقية, فيقدم التضحيات تلو التضحيات في سبيل تطبيق هذا المفهوم.
ويعتمد رقي الدول وبناء المجتمعات وتطور المؤسسات على الإنسان المتعلم الذي يتمتع بالكفاءة وروح المبادرة والإخلاص في العمل ويتميز بالفكر الواعي المنفتح وبالرؤية المستنيرة الخالية من التشويش والضبابية, ويأتي على رأس تلك القيم العمل بمبدأ قاعدة تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية, فالمصلحة الشخصية وكما يصفها الكاتب الكبير توفيق الحكيم هي ((الصخرة التي تتحطم عليها أقوى المبادئ)). إن الإنسان الذي يولي مصلحة وطنه ويضع سلامة مجتمعه ويسعى إلى الارتقاء بالمؤسسة التي يعمل فيها، ويحرص على الدفاع عن معتقداته ومبادئه التي يؤمن بها دون أن يداخله التعصب والهوى، ودون أن تهتز قناعاته التي من المفترض أن تبنى على الموضوعية والأمانة ........ فيقدمها في الرعاية والاهتمام والجهد والوقت على حساب مصالحه الخاصة، هو إنسان جدير بالثقة قادر على التغيير وعلى الإصلاح وعلى النهوض لأنه يتمتع بالنزاهة ولديه مقومات القيادة.
ويأتي حرص الإنسان على تقييم سلوكه وشغفه باكتساب المعرفة والعلوم المختلفة وولعه بالتفكر في ملكوت الله الواسع من أجل إصلاح نفسه وصلاح أمره في سعي حثيث ليكون فردا صالحا وعضوا فاعلا في المجتمع المنتمي إليه, وسعيه واجتهاده لكسب العيش لإعالة نفسه وأسرته والبحث عن مصادر جديدة للرزق وتوسيع دائرة أعماله والارتقاء بمستواه المعيشي والثقافي والاجتماعي يدخل ضمن الأعمال القيمة والسلوكيات الراقية, ما دام هذا السعي وهذا العمل وهذا الحرص لا يقوم على مبدأ الإضرار بالغير ولا يقوم نجاحه على حساب مصالح الآخرين, وما دامت سبله لا تتنافى مع مبدأ المصلحة العامة, إنه فعل صالح أقرته وحثت عليه الشرائع بل وصنفته من ضمن أعمال العبادة؛ فالعمل عبادة كما قال خير البشر صلى الله عليه وسلم.
إن العامل الأساسي لتخلف الشعوب يكمن في تعطش الأفراد وحرصهم الشديد وسعيهم المستمر لإرضاء غرائزهم الذاتية، وتلبية مصالحهم الشخصية، وتغليب المصالح الخاصة على حساب المصالح العامة, بهذا المنطق المغلوط وفي إطار هذا المسوغ المضلل وعلى أساس هذا المبرر الواهي ترتكب الحماقات، وتسلب الحقوق وتنتهك القوانين، وتختلط الأوراق ما بين الحقوق والواجبات العامة والخاصة عند أولئك الذين تسنموا المسؤوليتين معا, فيبيت المباح محرما والمحرم مباحا, ففي ظل هذه البيئة لا يبقى للقوانين حرمة, ولا للمسؤولية قيمة وتقدير, ولا للأمانة والإخلاص مكانة في العمل, ولا للأوطان قدسيتها المصانة, ولن تستطيع المؤسسات المدنية أن تؤدي رسالتها كما أريد لها أن تكون، ولن تتمكن المؤسسات القضائية من العمل بنزاهة ومسؤولية، وسوف تغيب الكثير من المبادئ عن بال المسؤول والموظف مثل الانضباط والشفافية والموضوعية ...
فمن أجل المصلحة الخاصة يقوم ثلة من المنتفعين الذين قبضوا على زمام القوة بشن حرب ضروس تأكل الأخضر واليابس في تعالٍ سافر على القوانين والأنظمة الدولية واستهتار بالمؤسسات العالمية وتغافل عن صوت العقل وصوت السلام, لا لشيء سوى تحقيق أهدافهم وطموحاتهم والوصول إلى غاياتهم ... ومن أجل المصلحة الشخصية يظل رجال في كرسي المسؤولية طوال حياتهم رغم ما سببوه من أخطاء ومن مفاسد ومن عوامل أدت إلى التخلف وإلى التراجع المستمر في الأداء, وهو ما أفضى إلى انهيار أنظمة وتمزيق حضارات ودول وتحول بلدان مزدهرة ومستقرة إلى حال من الفوضى والصراعات الداخلية ... ولا شك بأن تعزيز الوعي العام للمجتمع وتوجيهه نحو تحمل أفراده مسؤولية الواجب الوطني في تحقيق المصالح العامة, وتعميق الشعور بأثر ونتائج التنافس والتوافق على خدمة هذه المصالح يحقق ازدهار وتطور واستقرار الأوطان والمجتمعات.