كانت المفاجأة مدهشة وغير متوقعة، فتلك المرأة التي جاوز عمرها الثمانين عاما استمرت طريحة الفراش لا تقوى على الجلوس مطلقا، كئيبة مجهدة وحزينة، لقد أجبرت على الذهاب إلى المستشفى، ثم تم اجبارها على الخروج من المستشفى إلى بيت في المدينة وهي التي تعودت على العيش في الجبل مع مواشيها، تستقبل شروق الشمس يوميا وتودعها عند الغروب، لقد عاشت حياتها كلها في تلك الظروف، وبعد قضاء شهرين بين المستشفى والبيت وبعد يأس الأطباء من علاجها خرجت إلى بيت آخر مع أختها وأبنائها الذين أخرجوها من جو المرض إلى جو المرح والصحة، ولم يعاملوها كمريضة وإنما تعاملوا معها بالمرح وبدأ ابن أختها يسرد عليها الذكريات السعيدة، ويخبرها عن الإبل والخريف والمطر، وصار الجميع يشاركونها جوا إيجابيا يحفز التفاؤل بداخلها وينشط التشبث بالحياة، لقد ركلت تلك المرأة المرض بعيدا ودب النشاط في أوصالها وعادت ابتسامة الحياة إلى ملامحها، وبدأت تتواصل مع الناس بالكلام والنظر والسمع وفي أقل من أسبوع صارت تجلس وتتحدث بكل شوق إلى من حولها، لكنها فجأة وجدت نفسها مضطرة أن تنتقل إلى ظروف حياة أخرى، وإلى واقع يتعامل معها كمريضة، وللأسف بدأت خلايا جسمها تستعيد الوهن والمرض.
لا تفقه تلك المرأة شيئا عن تأثير العقل والمشاعر والتفاؤل على الصحة وزيادة مناعة الجسم، لكن حقيقة ما يجري حولها والكلام الذي تستمع إليه ونظرات الناس إليها وتعامل أختها وأبناء أختها معها كما كانوا يعاملونها منذ عشرات السنين جعل ذاكرة جسدها تستدعي المناعة والشفاء والصحة.
منذ شهور سمعت صوتا يناديني باسمي فالتفت فإذا به زميل يعمل في إحدى الكليات، جاء ليشكرني على مقال كتبته بعنوان" لا تستسلم" وعندما استطردنا في الحديث أخبرني أن المقال حفز عنده الثقة بقوة جسمه ومناعته، و أخبرني أنه سبق أن تعرض للإصابة بمرض السكر وهجمت عليه أعراضه بدون مقدمات لأن نظام حياته ساهم في إضعاف البنكرياس في جسمه ولم يعد تفرز كمية الأنسولين الكافية؛ لتحويل السكر الزائد إلى طاقة، فهزل جسمه وصار يذهب إلى دورة المياه كثيرا وضعف بصره وصار يشعر بالعطش ويشعر بالخمول، فانتكست تبعا لذلك روحه المعنوية وشعر بالخوف وكادت الدنيا أن تظلم في وجهه، وبدأ يتناول أقراص مرضى السكر ويأكل بحذر ويمارس الرياضة، وبدأت حياته تكتسي طقوس الخوف والحذر، واستسلم لوعي المرض، وصار يمارس حياته كمريض حذر جدا، ويمارس حياته كما يفعل المرضى, وهنا كان لجسمه أن يتفاعل مع هذا التوجه، فتفاعلت خلايا جسمه وطورت الشعور بالعجز والمرض. ولكنه بعد فترة صار يقرأ عن تأثير العقل في الجسم. بدأ يدرك أن التشاؤم واليأس يمكن أن يدمر الجهاز المناعي للجسم، وعلى الفور بدأ ذلك الأستاذ يغير من أسلوب حياته ويتبنى الاتجاه الإيجابي ويمارس حياته بشكل طبيعي ويعيش بوعيه السابق ويستعيد مشاعر الصحة والايجابية والشباب، وشيئا فشيئا بدأت صحته تتحسن، واستطاع من خلال تغيير نمط تفكيره أن يتحكم بمستوى السكر وتخلص من تعاطي العقاقير غضون شهور.
إن التفاؤل والايجابية في الحياة وتغيير الإدراك من التشاؤم إلى التفاؤل وتعلم الاسترخاء والتأمل؛ كل ذلك يساعد الجهاز المناعي للإنسان ويشحنه بالطاقة ويحصنه ضد الأمراض.

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس مركز النجاح للتنمية البشرية