في الوقت الذي يعقد فيه دعاة الحرية مؤتمراتهم يتحدثون على منابرها عن عزمهم محاربة إرهاب ما يسمى "داعش" في المنطقة ويصوغون مشاريع قراراتهم الأممية في محاولة منهم للتدليل على صدق نياتهم، يبقى كيان الإرهاب الإسرائيلي الذي غرزوا سهامه السامة في جسد المنطقة أكبر دليل على كذبهم ونفاقهم.
فإطلاق يد الإرهاب الإسرائيلية في المنطقة واستباحتها، واعتبار ذلك "دفاعًا عن النفس"، لا يختلف عن إرهاب الدواعش الذي نشروه في المنطقة، فهما وجهان لعملة إرهاب واحدة وصنيعة طرف واحد وإن تعاونت معه يد العمالة والغدر، ولذلك ليس مثيرًا للدهشة والاستغراب أن يصنفوا إرهابهم الذي أنتجوه إلى صنفين: "متطرف" و"معتدل" وفق ما يخدم مشاريعهم الاستعمارية.
اليوم يعيش الفلسطينيون واللبنانيون معًا ذكرى إحدى أشد الصفحات المؤلمة في تاريخ النضال الفلسطيني والعربي ضد الإرهاب والاحتلال الإسرائيليين، ألا وهي ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، هذه الذكرى التي تستعيد حضورها في الذاكرة الجمعية العربية وعلى تراب الوطن الفلسطيني واللبناني المليء بالدماء الزكية البريئة التي أراقتها يد الإرهاب الإسرائيلي بالتعاون مع يد العمالة انتقامًا وكراهيةً وحقدًا.
إنها الذكرى الثانية والثلاثون لتلك المجزرة الإجرامية التي استمرت ثلاثة أيام وراح ضحيتها عدد كبير من الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال والمسنين العزل الفلسطينيين واللبنانيين (يشكل الفلسطينيون غالبية الضحايا)، حيث يقدر عدد الشهداء حينها بين ثلاثة آلاف وخمسمئة إلى خمسة آلاف من أصل عشرين ألف نسمة كانوا يسكنون صبرا وشاتيلا وقت حدوث المجزرة، ومنذ ذلك اليوم وإلى الآن لا يزال الفلسطينيون يطالبون بمحاسبة الجناة الإرهابيين الصهاينة ومن اشترك معهم من العملاء، ولكن لا أحد يسمع صوت استغاثتهم ومطالبهم في ظل عالم يتحول أو تحول إلى حياة الغاب تتحكم به قوى ترفض الاعتراف بالقانون الدولي والشرعية الدولية وترفض الاعتراف بحقوق الإنسان وتحارب الحريات، تقلب الباطل حقًّا والحق باطلًا، وتسمي المقاومة "إرهابًا" والإرهاب "دفاعًا عن النفس".
ليست مجزرة صبرا وشاتيلا وحدها من تبحث عن العدالة ومحاسبة المجرم والمسؤول عنها، مثلما أنها ليست هي الأولى ولن يكون ما بعدها الأخير من المجازر، ما دامت يد الإرهاب الإسرائيلي حرة طليقة وأيادي الدعم تنثر المال والسلاح لتقويتها وأبواق النفاق تعلو تأييدًا لها، فيد الإرهاب الإسرائيلي مثلما ارتكبت من قبل تجهد لارتكاب المزيد من المجازر لتشمل كامل جغرافيا المنطقة، ولا يهمها في ذلك إن كانت تمثل حضورًا وشاهدًا على السجل الإجرامي والتاريخ الإرهابي الصهيوني، أو وصمة عار في جبين دعاة الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية.‏
صحيح أننا لسنا مجبرين في الدخول في الدلالات وما تحمله، ولا في الذهاب إلى الاستنتاج، لكن الأمانة تقتضي أن نوقظ الضمير المتبلد، وتذكير دعاة الحرية بأن الدم واحد مهما اختلفت هويته، سفكه حرام إلا بحقه، وسافكه ظلمًا وعدوانًا مجرم وإرهابي يستحق العقاب والجزاء، وليس هناك "مجرم وإرهابي معتدل" و"مجرم وإرهابي متطرف"، فلا مجال للتمييز، ومثلما صدرت قرارات أممية ضد تيار أو جماعة تمارس الإرهاب ضد جماعة أو شعب ما، فإن المقياس ذاته يجب أن يطبق تجاه القتلة الإرهابيين الإسرائيليين، فهذا هو منطق العدالة.