إن الترويع والتدليس والمراوغة الكاذبة وأساليب الابتزاز سياسة اتبعها كيان الاحتلال الصهيوني منذ اغتصابه أرض فلسطين التاريخية، ولم ينفك عن اتباع هذه السياسة الإقصائية الإلغائية على نطاق واسع وبصورة مستمرة، وذلك سعيًا نحو تحقيق أحلامه التلمودية القائمة على ابتلاع الأرض الفلسطينية بشكل كامل، وابتزاز الفلسطينيين للاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة" وعاصمتها "الأبدية" "القدس الموحدة"، ولذلك يعمل كيان الاحتلال على استغلال اللحظات التاريخية الفارقة في تاريخ الأمة العربية وتاريخ المنطقة جراء ركوعها أمام "الفوضى الخلاقة" ووقوعها تحت قبضة المؤامرات ونار الإرهاب، في تغيير ما كان يسعى إليه منذ النكبة واغتصابه فلسطين وتدميره قراها وتهجيره شعبها، وتتبدى صورة استغلاله لهذا الواقع المأساوي والمؤلم للمنطقة ولحال الأمة العربية، في تجيير المفاوضات الجارية التي أطلقتها حليفته الاستراتيجية الولايات المتحدة وتمييعها وتفريغ محتواها من أي نهايات معروفة، وجعلها مجرد حلقات مفرغة لتدوير القضية الفلسطينية وملف الصراع العربي ـ الصهيوني، ومن ثم يبدأ فرض إملاءاته وشروطه الابتزازية، ويزعم في الوقت ذاته أنه جاد في ما يسمى عملية السلام والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف.
قبل انطلاق المفاوضات الجارية كان يتجج المحتلون الصهاينة بأن الوضع غير مواتٍ في ظل وضع عربي وإقليمي أكثر تعقيدًا نظرًا لاختلاف الأيديولوجيات فيه، وبالتالي لا بد من التوقف عن إجراء مفاوضات أو حتى مجرد الحديث عنها أو عن ما يسمى عملية السلام لحين اتضاح الصورة، وفي كلتا الحالتين في ظل المفاوضات أو توقفها يبقى الأمر سيان بالنظر إلى ممارساته العدوانية بحق الشعب الفلسطيني واستمراره في اغتصاب ما تبقى من الأرض الفلسطينية.
ولعل ما طرحه عتاة الصهاينة وغلاتهم ومتطرفوهم من قبل من دعوات لابتلاع الضفة الغربية بكاملها وتهجير الفلسطينيين منها مقابل تعويضات مالية، لا يزال يتم العمل بموجبه والسير باتجاه تحقيقه، ويتضح ذلك من خلال رفض الاعتراف بحدود عام 1967م ورفض عودة اللاجئين والتمسك بغور الأردن ورفض الإشراف الأمني الفلسطيني أو الدولي، ويمارس سياسة الفصل العنصري والتفرقة بين الأسر الفلسطينية، ويمنع تواصل الأسر الفلسطينية في قطاع غزة بأقاربها وأبنائها في الضفة الغربية والعكس صحيح، ويمنع أي فرصة لالتمام شملها، أو مجرد الزيارة في أوقات الشدة والمرض أو الفرح، بل إن من شدة قسوته وعنصريته أن جيش الاحتلال الصهيوني احتجز جثامين ورفات شهداء فلسطينيين والذين اغتالهم بدم بارد ورفض تسليمهم لذويهم ولسنوات، فها هو بعد اثني عشر عامًا يسلم رفات بعض الشهداء إلى ذويهم، إنها وحشية وعنصرية وقسوة غير مسبوقة تنم عن انعدام القيم الإنسانية وموت الضمائر الحية، ويبرر المحتلون الصهاينة عنصريتهم وتطرفهم وإلغاءهم للآخر بمزاعم متلونة وكثيرًا ما تتردد على ألسنتهم؛ وبأن كيان الاحتلال الصهيوني يواجه مخاطر استراتيجية جمة بوجود قوى عربية وإقليمية معادية له، ووجود قوى راديكالية لها توجهات دينية، وهنا يمكن ملاحظة سياسة الترويع والتدليس والمراوغة الكاذبة في تشويه الحقائق وتغيير الوقائع وممارسة عمليات التضليل والتحريض والتأليب، من أجل الابتزاز ومواصلة السير في طريق اغتصاب الحقوق الفلسطينية والقضاء على كل أحلام الشعب الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والمتصلة جغرافيًّا. وطبعًا كل تلك الادعاءات والافتراءات والأكاذيب لها هدف واحد هو تصفية القضية الفلسطينية وتحقيق الحلم التلمودي "كيان يهودي محتل".