[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
يا لها من مفارقة في الزمان والمكان، من يصدق أن يجلس رئيس الولايات المتحدة في بلد عدو سابق اسمه فيتنام، وفي قلب عاصمتها هانوي التي كم فتحت في أدمغتنا الشابة ذات تاريخ محبب رايتها، وبتنا نفتش يومها عن هذا الاسم لنطلقه على بلد عربي.
ترامب الأميركي وكيم جون أون الكوري الشمالي تصافحا هناك في هانوي .. من يدري لو كان الزعيم الفيتنامي هوشي منه حيا فما الذي فعله أو قاله..؟ ذلك القائد الذي دفن في فيتنام أكثر من خمسين ألف جندي أميركي ونصف هذا الرقم مفقود، ناهيك عن الجرحى الذين خسروا أعضاءهم. يومها قاتلهم رجال فيتناميون يقتاتون الرز المسلوق، يضعونه في جيوبهم على مدار الساعة، وليس غيره ما يؤكل، ثم يذهبون إلى اصطياد الأميركي الذي علق في مغامرة رهيبة، لم يكن ليخرج منها بعدما كانت تؤكد مصانع السلاح الأميركية أن إيقاف الحرب ضد فيتنام سوف يخلق مشكلة عاطلين عن العمل.
الزعيم هوشي منه ظل من كوخه البسيط يقود المعركة التي قرر أن تكون فاصلة مع معتدٍ لا يرحم، ولم ترحم أدواته العسكرية وخصوصا طيرانه الحربي من رمي قنابل النابالم التي أحرقت مدنا وسهولا، قرر الأميركي أن يضرب غذاء الفيتناميين من الرز فحرق حقولهم، ظن أنه أوجعهم وأنهم سيرفعون الراية ولم يدرِ أن ثمة سرا لدى الفيتناميين غير مفهوم إلا فيما بينهم حول مفهومه للطعام، ولكن للبسالة عنوانا مقدسا.
كان الجنرال الفيتنامي جياب ينحت مقاتليه كمن يفرغ في روحهم جملا مدعومة ببركات العم هوشي كما كانوا يسمونه. لن ينسى ترامب الجالس إلى الرئيس الكوري الشمالي ما كانته تلك العاصمة هانوي ذات سنين وهي تفرغ بطولاتها في وجه جيش أميركي كان يتضاءل مع مطلع كل شمس، وكان يريد الخروج في كل لحظة تمر، لكن شركات السلاح الأميركية كانت تنذر وتتوعد بالعاطلين عن العمل وهم بالآلاف إن تم الانسحاب الذي صار لاحقا فجائيا وبلا مقدمات وبطريقة الهروب غير المدروس.
اليوم فيتنام عالم جديد، أجيال تحفر حضورها في منطقة باتت مشغولة بالتصنيع، وفيها الشركات الأميركية وخصوصا مطاعمها المعروفة .. لكن الفيتنامي ما زال لم ينسَ، وكل بيت فيه مفقود أو مقتول، لكنها كانت، وما مضى لا يجوز أن يستمر بعدما صار العالم مثلما كان مرتبطا بمصالحه، مغرما بصناعاته، يقول أهلا للجميع بمن فيهم عدو الأمس.
هكذا تجد فيتنام رغبتها في أن تمد يدها لغسل التاريخ الدموي الذي مر عليها، حتى أنها قد تغفر الأسى والزلزال الحربي الذي مر طويلا .. كل شيء مرسوم بروح الزعيم هوشي منه الذي ترك يوما وصية عبارة عن رسالة إلى أطفال بلاده الذين كبروا اليوم بل صار لهم أبناء، لا أدري إذا كانت رسالة العم هوشي تدرّس في المدارس والجامعات. الفيتنامي لا يطعن بماضيه، يحفظه ويحافظ عليه، وخصوصا إذا كان ملهما كهوشي.
لا أعرف لماذا كان خيار لقاء ترامب والفيتنامي الشمالي في هانوي، الاسم الفذ لتاريخ عظيم؟ لا شك أن العالم انتبه إلى مكان اللقاء، حيث للجغرافيا وقعها عند الرئيس الكوري الشمالي وكأنه عاد ليتسلق تاريخا محببا فيه كل مظاهر الإخلاص للجارة التي غسلتها الحرب أيضا مثلما فعلت ببلاده.