[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
”نعم بالنسبة لأوكرانيا الاحتمالات مفتوحة على أكثر من صعيد: هناك التهديد بالتقسيم بين أوكرانيا الشرقية والأخرى الغربية. روسيا التي أعلنت رفضها للخطوات الأوكرانية الأخيرة من خلال تصريحات واضحة ومحددة لرئيس الوزراء ميدفيديف نادت بالعودة إلى تطبيق الاتفاق الموقع بين حليفها يانكوفيتش وبين المعارضة، ربما تلجأ إلى التدخل العسكري (رغم استبعاد ذلك في الوقت القريب) في أوكرانيا.”
ــــــــــــــــــــــــ
بالرغم من وقف إطلاق الساري المفعول بين الحكومة الأوكرانية والمواطنين من أصل روسي في عدة مدن في الشرق الأوكراني (وهم يسيطرون عليها) إلا أن التصعيد هو سمة الوضع في الجمهورية المجاورة لروسيا، والأخيرة في حساباتها الاستراتيجية تنطلق من قاعدة: أن ما يجري من أحداث في أوكرانيا يؤثر مباشرة على أمن الفيدرالية الروسية. لذلك، فإن روسيا ستمضي في الصراع الدائر، إن مع الدولة الجارة أو في صراع الحرب الباردة من جديد مع حلف الناتو. الطرفان الروسي والناتوي يحاولان ما استطاعا إحراز مكاسب لكل منهما على حساب الصراع في أوكرانيا: الناتو يحاول ضمها إلى الحلف من أجل بناء قواعد عسكرية له فيها، على طريق استكمال إحاطة روسيا بالأسلحة الصاروخية، وروسيا مستفيدة من درس بولندا، تضغط باتجاه منع تحقيق هذا الأمر، من خلال الضغط على حلفائها الأوكرانيين من أصل روسي، في اتجاه منع تمرير المخطط الغربي في أوكرانيا.
لذلك، فإنه بالمعنى الواسع تم تدويل الصراع الأوكراني، وهو مرشح لامتدادات أخرى: من الملاحظ أن حدة التصريحات بين الزعماء الغربيين ونظرائه الروس زادت مؤخرا وهي تأخذ شكلا تصاعديا، يحذرون روسيا من ارتكاب "خطأ مكلف" في أوكرانيا ويتهمونها بمواصلة تمويل وتنسيق ودعم الحركة المسلحة ويسمون أصحابها بـ "الانفصاليين". هؤلاء لا ينكرون موالاتهم لروسيا ولا يتنصلون من العلاقة معها. بوتين كان قد قال في تصريح له: بأن من حق المواطنين من أصل روسي الاستقلال في دولة لهم. هذا على غرار ما جرى في القرم. بوتين يعي ما يقول، في ثنايا تصريحه: تهديد مبطن للناتو: وأن قواته جاهزة للتدخل شرق أوكرانيا إن لزم الأمر في حالة انسداد الآفاق أمام التسوية السياسية العادلة بين الطرفين ومراعات مصالح المواطنين الروس في أوكرانيا والمصالح الأمنية الاستراتيجية الروسية.
بوتين بدوره قال في تصريح سابق له بعد التفويض الذي أخذه من البرلمان الروسي (مجلس الدوما) باتخاذ ما يراه مناسباً من قرارات لحماية الروس والناطقين بالروسية في أوكرانيا: "آمل أن لا اضطر إلى استخدام هذا الحق وأن نتمكن من حل المشكلات الخطرة بالوسائل السياسية والدبلوماسية". وكالة الإعلام الروسية قالت:" إن بوتين ذكر أيضاً في اجتماع رسمي بشأن صناعة الدفاع الروسية: أن موسكو يجب أن تزيد إنتاج نظم للصواريخ المضادة للصواريخ والمضادة للطائرات بما فيها صواريخ "إس-300". التصريح يعني ما يعنيه. موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة الأميركية الأوكرانية إلى حد ما متباين بعض الشيء( بالرغم على الحرص على إظهاره موحدا)، فجزء منه يصب في المجرى الأميركي، وآخر يدعو إلى تطبيق اتفاقية جنيف وحل الأزمة بالطريقة السلمية. واشنطن كانت وراء فرض عقوبات جديدة على موسكو، وفي هذا السياق لفت وزير الخارجية الأميركي إلى أن العقوبات التي فرضتها بلاده وحلفاؤها على روسيا أدت إلى تراجع ثقة المستثمرين بروسيا وكلفت اقتصادها خروج رساميل بلغت قيمتها أكثر من 70 مليار دولار.
من جهة ثانية : أصرت السلطات الجديدة في أوكرانيا على توقيع "الشراكة التجارية" مع الاتحاد الأوروبي كخطوة نحو الانضمام إليه وإلى حلف شمال الأطلسي. وهي حاولت اعتماد الحل العسكري بدلاً من الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع ممثلي الطرف الآخر. السلطة فشلت في خيارها العسكري. هذه الخطوات مؤيدة من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة من حلفائها. بالمقابل الطرف الآخر يمتلك أسلحة إضافة إلى أنه يسيطر على عدة مدن، وصمد عسكريًّا في مواجهة قوات وهجمات السلطة الأوكرانية، ووفقاً للمحلل السياسي الأوكراني فلاديمير فسينكو الذي صرح لوكالة الصحافة الفرنسية "في منطقة الدونياس -أحد المعاقل جنوب أوكرانيا- بأن 70% من السكان لا يعتبرون السلطات الحالية في كييف شرعية". أيضاً هذه الاتجاه مدعوم بقوة من قبل روسيا .التي تدرك تماماً أبعاد المخطط الناتوي.
مراحل ما جرى في أوكرانيا يذكر بما جرى قبل ما ينوف عن عقد زمني، ففي عام 2004 ونتيجة لما سُمّي بــ(الثورة البرتقالية) نجحت المعارضة في الإتيان برئيس حليف للغرب هو فيكتور يوتيشنكو، لكن التناقضات بينه وبين حليفته رئيسة الوزراء تغلبت على التحالف بينهما، حينذاك كان الرئيس المطاح به يانكوفيتش يجلس على معقد المعارضة بعد أن كان رئيساَ للوزراء. الأخير اتهم الرئيس بتزوير الانتخابات. ظلت الأحوال تتماوج في أوكرانيا حتى انتخابات عام 2010 حين نجح فريق موسكو وهو الأمر الذي أدى بتيموشينكو إلى السجن بتهمة سوء استغلال السلطة حينما كانت رئيسة الوزراء وتسلم حليف روسيا للرئاسة. منذ تسلم يانكوفيتش منصبه كرئيس لجمهورية أوكرانيا ظلّت المعارضة تنشط في كثير من الأحيان رغم خفوت صوتها لسنوات. منذ ما يزيد عن العام خرجت المعارضة إلى الشارع احتجاجاً على عدم توقيع الرئيس يانكوفيتش على اتفاقية الشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي وظلّت تعمل بطريقة تصاعدية حتى الخطوات الأخيرة. بالطبع ليس ما حدث في عام 2004 قابل للتكرار في عام 2014 فالمعارضة استفادت من أحداث 2004، وليس من السهولة بمكان أن تفرط فيما حققته من إنجازات (وهي بالفعل استطاعت تحقيق إنجازات في الاتفاق الذي كانت قد وقعته مع يانكوفيتش) الاتفاق نص على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، وإطلاق صراح تميشينكو حليفة الغرب التي تم اطلاق سراحها. كما نص الاتفاق على العودة إلى دستور 2004، بما يعنيه ذلك من تقليص لصلاحيات الرئيس لصالح البرلمان وبالفعل كانت بنود الاتفاق هي الأساس للتغييرات التي جرت بعدها، هذه التي نشهدها حاليا.
تقديرات العديد من المراقبين تشي بأن الأوضاع في أوكرانيا لن تستقر عند الوضع الحالي، فأنصار موسكو يشكلون نسبة لا بأس بها في الواقع الأكرواني (فهم من أصل روسي) واستطاعوا بالفعل كسب الانتخابات (التي جرت تحت رقابة دولية) في عام 2010، وامتلكوا الأغلبية البرلمانية.
نعم بالنسبة لأوكرانيا الاحتمالات مفتوحة على أكثر من صعيد: هناك التهديد بالتقسيم بين أوكرانيا الشرقية والأخرى الغربية. روسيا التي اعلنت رفضها للخطوات الأوكرانية الأخيرة من خلال تصريحات واضحة ومحددة لرئيس الوزراء ميدفيديف نادت بالعودة إلى تطبيق الاتفاق الموقع بين حليفها يانكوفيتش وبين المعارضة، ربما تلجأ إلى التدخل العسكري (رغم استبعاد ذلك في الوقت القريب) في أوكرانيا. احتمال الحرب الأهلية احتمال وارد هو الآخر. الأمر مرهون بتطورات الصراع، غير أن من الثابت القول: إن روسيا (والرئيس بوتين شخصيًّا) لن تقف مكتوفة الأيدي في الصراع الدائر في أوكرانيا, فالأخيرة بالنسبة لها عامل استراتيجي مهم في حساباتها للربح والخسارة .