[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
” .. بدلاً عن توزيع طاقات أميركا عبر قارات العالم بواسطة القوات المسلحة أو محطات المخابرات أو سواها من الأذرع السياسية والاقتصادية: لم لا تركز واشنطن على أوضاعها الداخلية لتتمكن من البناء وتحصين حالها ومنعتها كي لا تكون ضعيفة، فتستدرج دولاً قوية إلى تحديها كما يفعل الاتحاد الروسي اليوم.”
ـــــــــــــــــــــ
السيناتور "ران بول" Ran Paul رجل يستحق الملاحظة من قبل المتابعين في سياق السياسة الأميركية، خاصة بقدر تعلق الأمر بآفاقها الجمهورية، وليس الديمقراطية. هو يتعرض الآن لحملة دعائية شعواء مضادة لترشحه للرئاسة في انتخابات عام 2016، إذ تصفه وسائل الإعلام بـ"الرجل الانعزالي"، بينما يصفه آخرون بـ "المعادي لإسرائيل". وكلا الفريقين على حق، إذ إن بول انعزالي فعلاً، لأنه يؤمن بأن أميركا متورطة على نحو مفرط يفوق طاقاتها الفعلية، بما لا شأن لها به عبر العالم.
هو يشبه، في هذا الرأي، المستشار البروسي، ثم الألماني "بسمارك"، ذلك أن الأخير هو بطل "الوحدة الألمانية" بعد أن حكم بروسيا لعدة أعوام، افتعل خلالها الحروب تلو الحروب، تارة ضد فرنسا، وتارة ضد دول جوار أخرى من أجل أن يحقق حلمه بـ"ألمانيا موحدة". وللتاريخ، فقد حقق الرجل حلمه الفردي والقومي عندما أحال "بروسيا"، نواةً، إلى ألمانيا الموحدة أقوى قوة في العالم، كما تبلورت في بدايات القرن العشرين. إلا أن للقوة والجبروت ضرائبهما كذلك، حيث إن بسمارك غادر السلطة عند انتهاء ولاية مستشاريته، موصياً من كان سيأتي من بعده بالعمل على تعزيز الوحدة الألمانية من خلال ترصين وتقوية البناء الداخلي، والأهم من خلال تحاشي توريط ألمانيا في التنافسات والصراعات الخارجية: فالتطلع إلى ما هو خارج حدود ألمانيا يمكن أن يستدرجها إلى الحروب، بينما تسحبها الأخيرة إلى الضعف والدمار، ثم التفتت.
وبالفعل، كانت توصيته مشحونة بالنبوءة، ذلك أن الذين تسنموا الحكم من بعده "اسكرتهم" أحلام بناء الإمبراطورية بعد أن رأوا ما حققته بريطانيا وفرنسا من توسع وهيمنة في آسيا وإفريقيا، استدرجت "وليمة" بناء الإمبراطوريات الأوروبية الألمان إلى عالم الأحلام الكولونيالية: فكانت التحالفات والتطلعات والتورطات الخارجية التي قادت ألمانيا الموحدة إلى: (1) الحرب العالمية الأولى؛ ثم إلى (2) الحرب العالمية الثانية. هنا تحققت كوابيس موحد ألمانيا، بسمارك، فانشطرت ألمانيا الى ألمانيتين، شرقية شيوعية، وغربية رأسمالية.
راند بول يؤمن، كبسمارك، بأن الولايات المتحدة يجب أن تقوي جبهتها الداخلية وبناها التحتية، بل والأهم هو أنه يعتقد أن انشغالات واشنطن خارج الحدود هي من أهم أسباب تراجع ونكوص الولايات المتحدة، فالالتزامات الخارجية ليست يسيرة ولا قليلة التكاليف: فلماذا لا يتخلى عنها الأميركان؟ وبدلاً عن توزيع طاقات أميركا عبر قارات العالم بواسطة القوات المسلحة أو محطات المخابرات أو سواها من الأذرع السياسية والإقتصادية: لم لا تركز واشنطن على أوضاعها الداخلية لتتمكن من البناء وتحصين حالها ومنعتها كي لا تكون ضعيفة، فتستدرج دولاً قوية إلى تحديها كما يفعل الاتحاد الروسي اليوم.
هنا يكمن قلب الاختلاف بين صقور من نمط آل بوش، جورج الابن وأخيه جيب (المرشح الرئاسي القادم) من ناحية، وبين زميلهما الجمهوري، راند بول، الذي يذهب حد التساؤل: هل ينبغي أن نسمح لإسرائيل أن تعتمد على مساعدات الولايات المتحدة إلى ما لا نهاية، بينما تبقى الأخيرة مدينة بمليارات الدولارات للصين؟ هو سؤال منطقي بحق، برغم عده كفراً في دوائر السياسة الأميركية المتنفذة. وبول لا ينكر هذا الرأي، ولكنه يبرره بالقول بأن أميركا لا يمكن أن تبقى تقدم المساعدات السخية لإسرائيل لأنها ينبغي أن تساعدها على الاعتماد على نفسها.