حين يؤكد (المحارب) الأميركي أن الدعم لما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" قد تزايد منذ أول غارة شنها على التنظيم، في الوقت الذي يوافق فيه الكونجرس الأميركي على خطة تدريب وتسليح المجاميع الإرهابية في سوريا تحت بدعة دعم "المعارضة المعتدلة" التي تمثلها أخوات ما يسمى تنظيم "داعش" مثل ما يسمى "جبهة النصرة والجبهة الإسلامية والكتائب المقاتلة والجيش الحر"، فإن كلا الحدثين لا جديد فيهما، ذلك أن الدعم لم ينقطع يومًا ولا للحظة عن جميع المجاميع الإرهابية التي تدمر سوريا وتبيد الشعب السوري، بل إن مقتضيات الاستراتيجية الأميركية الجديدة للرئيس باراك أوباما تسير في هذا الاتجاه.
فلم يعد هناك سر خافٍ على أحد من التحركات والتدخلات الأميركية في المنطقة وطبيعة العلاقة المتميزة والوثيقة التي تجمع بين الإرهاب المُصنَّع خصيصًا للمنطقة والمُصمَّم وفق مقاسها الطائفي والمذهبي والعرقي وبين الولايات المتحدة الصانعة له بدعم من قوى إقليمية وعربية، فالاعترافات المباشرة وغير المباشرة وفي مقدمتها الأميركية، بل والمجاهرة بدعم الإرهاب تحت شعارات ومسميات زائفة وخادعة تؤكد حجم العلاقة وقوتها.
وما بات بالأمس سرًّا غدَا اليوم ظاهرًا ومكشوفًا لدى الجميع بفضل التسريبات لعميل وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" إدوارد سنودن حول ما وصل إليه العقل الصهيو ـ غربي لتفكيك المنطقة وتفجيرها من الداخل وجعلها تدمر ذاتها بذاتها وبأيدي أبنائها المغرر بهم، بصناعة تنظيمات إرهابية وتقديم كل ما يلزمها من الدعم بحيث تكون قادرة على جذب جميع المتطرفين ومن لديه ميول متطرفة وإرهابية من داخل المنطقة وخارجها لتؤدي بداية وظيفة تدمير دول المنطقة وبعثرتها وبث الفوضى وصنوف الإرهاب بما يؤدي إلى تفككها وتمزقها، وبعد أن تنجز هذه الوظيفة، يتم ترقيتها إلى الوظيفة التالية وهي إثارة مشاعر العداء والكراهية بينها لتفني بعضها بعضًا، وبذلك تكون أسدت خدماتها للمستعمِر الصهيو ـ غربي ليباشر بدوره إعادة رسم خريطة المنطقة بما يتوافق مع مشاريعه الاستعمارية. ولعل في تجربة أفغانستان خير برهان وأكبر شاهد على تعامل العقل الصهيو ـ غربي مع الأوضاع القائمة وكيفية توظيفها فيما يخدم مصالحه الاستعمارية ويحقق من ورائها أرباحًا ومكاسب طائلة، فبعد أن جيَّش جيوش المرتزقة بذريعة "الجهاد" ضد الاتحاد السوفيتي، وألزم بعض (حلفائه) في المنطقة بفتح صنابير أموال شعوبهم لتمويل صفقات الأسلحة، وبعد أن نجحت تلك الجيوش في استنزاف الاتحاد السوفيتي وإجباره على الخروج من أفغانستان، بدأت مرحلة الإفناء والإهلاك الذاتي بين تلك الجماعات المسماة بـ"الجهادية"، بحجة الخوف من عودة الجماعات وارتداداتها فتهدد الصنَّاع والداعمين.
ولذلك فإن ما يحدث في سوريا والعراق لا يختلف عن تجربة أفغانستان من حيث جملة الأهداف، فمن ضمن الأدوار الوظيفية للتنظيمات الإرهابية في المنطقة هو أيضًا تهديد مصالح روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي وكذلك مصالح الصين، وطرد هاتين الدولتين الكبريين من المنطقة، على أن تُبيد هذه التنظيمات الإرهابية ذاتها بعد ذلك، حسب الاستراتيجية الأميركية الأوبامية الجديدة في المنطقة.
ولذلك فإن ما يوصف بأنه خطة أو استراتيجية أوباما لمحاربة الإرهاب ما هو في الحقيقة سوى عملية توزيع أدوار لإبقاء المنطقة غارقة في مستنقع التناحر الدامي الذي عنوانه الزائف (الربيع العربي) وعنوانه الحقيقي (الفوضى الخلاقة)!!