[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]
من يقتُل شخصًا عامدًا متعمدًا بظلم من غير ذنب أو فساد في الأرض، يُقتَلُ بحكم الشرع والعدالة، تطبيقًا للقوانين وتحقيقًا "لعدل الناس" في الأرض، أما حكم الله سبحانه في الآخرة، عليه وعلى مَن قتله، فإننا لا نملك فيه قولًا فلله الحكم وهو العدل ومن يعلم ما في الأنفس وما تخفي الصدور، فهو العليم الخبير.. هذا في قتل الفرد لفرد، أي لنفس مثل نفسه، فكيف إذا قتل الشخصُ/الفردُ أشخاصًا بل جماعة وأباد أبرياء وأمر بقتل شعب، بصرف النظر عن التدقيق في الجُرم والذنب والأسباب؟! .. إن "العدالة" التي تحكم على ذاك الشخص بالقتل أو بعدد من مرات الإعدام بعدد ما قتل من الأنفس وأزهق من الأرواح.. لا تعدل وفق قوانين الأرض لأنها لا تنفذ عمليًّا سوى قتل واحدٍ وحيد مهما كان عدد القاتل من قتلى، سواء أقتل شخصًا أو جماعة أو شعبًا!؟ وليس في هذا عدل من أي نوع ولا بأية درجة لأنه حتى في حالة قتله نفسًا واحدة بظلم ومن غير ذنب أو فساد في الأرض يبقى "البادئ أظلم" ولا عقوبة لمن هو أظلم "البادئ" وفق قوانين الأرض، بعد قتل بقتل!!
قاربت هذا الأمر في زمن من أزمان القتل المروع بأنواعه، ذاك الذي يستحر في سوريا والعراق على الخصوص منذ سنوات، وبمناسبة من مناسبتين راهنتين: الأولى الذكرى الثانية والثلاثون لمذبحة صبرا وشاتيلا التي تمت في المخيمين بين 16 – 18 أيلول/سبتمبر عام 1982 في بيروت وراح ضحيتها في بعض الإحصاءات ما يقرب من 3500 شخص من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح، وهي واحدة من أبشع وأفظع جرائم الصهاينة وعملائهم وأتباعهم وأشباههم ضد الشعب الفلسطيني بعد مذابح عدة ارتكبوها من أبرزها: دير ياسين، وقبية، ونحالين و.. و.. وصولًا إلى جرائمهم في غزة منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وقد تمت بإشراف المجرمين أرييل شارون ورفائيل ايتان.. والثانية تكوين تحالفين في القرن الحادي والعشرين للقيام بعمليات عسكرية في منطقتنا، تنفيذًا لسياسات واستراتيجيات أبعد من الأحداث التي استوجبت ذلك التحرك ومن الأهداف المعلنة والشعارات التي رفعت لكل منهما.. ففي التحالف الأول بداية هذا القرن تجلى باطل صارخ بلا أدنى "شبهة" حق، وعدوان أميركي ـ بريطاني ـ صهيوني صُراح، بهمجية عنصرية موصوفة، ما زلنا نحصد نتائجها الكارثية حتى اليوم، وكان على رأس الإجرام فيها جورج W بوش وتوني بلير.. وفي التحالف الثاني "الأربعيني" ضد إرهاب داعش، الذي بدأ بقصف أميركي في العراق وسوريا، وبتدريب وتسليح وإعداد وتمويل بعد تدريب وتسليح وإعداد وتمويل.. ظهرت ازدواجية معايير مستمرة الأحكام والأداء بشر كاسح وغباء، وهو تحالف يُنذر بحرب تطول وكوارث تكبر، تأتي على الكثير مما تبقى في البلدين العربيين، حيث يحلل التحالف مواجهة داعش في العراق على نحو مطلق وفق سياسات تفضي إلى ترسيخ التقسيم ومزيد من التدمير العمراني والاجتماعي والثقافي.. إلخ.. وتحقيق أهداف أخرى في سوريا منها تدمير ما تبقى من البلد وتقسيمه وفرض سلام صهيوني عليه يقتطع ما يمكنه اقتطاعه من أرض الجولان السوري المحتل، وغير ذلك من أهداف أوسع منها الفتنة بين السنة والشيعة، وأخرى عرقية في وطن العرب الكبير..
وفي الأحوال جميعًا، وفي المناسبتين اللتين أشرت إليهما لدى مقاربة هذا الموضع كمدخل له، وفي الحروب وأشكال العدوان والقتل السابقة واللاحقة، المادي منها والمعنوي، عندنا وعند غيرنا من بني البشر.. هناك توغل الدم والإثم، واستمرار للجريمة الممتدة من قابيل ابن آدم إلى ما لا يعلم إلا الله مداه من أيام، وهناك تفريخ للعدوان والإرهاب والإجرام والشر في حواضن البشر، وذبح لأفراد معظمهم أبرياء على يدي ساسة وعسكريين وخارجين على الأخلاق والديانات والقوانين، وتدمير لشعوب وأوطان وعمران على يد القوى العمياء، وإبادة لجماعات بشرية وحضارات إنسانية.. وهناك عالم واسع من الافتراء والادعاء والاجتراء على الحياة والعدالة، وفنون من الشر والجنون تفرّخ المزيد من العدوان والافتراء والشر والجنون.. وفي هذا المدى "الحياة" يغالب الباطل/الشر كل طبيعية خيرة ويغالب الخير ذاته، فيكون له من الجولات أكثر مما له ولها.. ولكن تبقى المغالبة والصراع والمقاومة، ويبقى البحث عن العدل والعقل والنور.. وعن عالم أفضل لا يتنمر فيه الفجور.
وهنا تفرض المشكلة نفسها علينا، تواجهنا أو تضطرنا إلى مواجهتها بأسئلتنا وعقولنا وأدواتنا، وبما يتوفر لدينا من معرفة وإرادة وتوق لحياةٍ بعدلٍ وعدلٍ في الحياة.. مشكلة الجريمة والعقاب ومدى ملاءمة الإجراءات البشرية في كل منهما حيال لآخر.. مشكلة القتل بقتل ومقاربته للعدل البشري ومقاربة العدل البشري للعدالة، والقتل بلا أدنى أفق للعدل البشري الذي يقتل فيه المجرم الفرد/الشخص.. أفرادًا وشعوبًا وقد يقتل العدالة ذاتها بنظر الناس وفي أنفسهم، من دون أن يكون هناك أدنى تحقق فعلي لعدل بشري، أو حتى مقاربة ذهنية ـ وجدانية ـ روحية لذلك.. ويبقى العدل الإلهي شأنًا إلهيًّا لا نقاربه لأنه الأفق الأعلى والأمل الأغلى والتطلع الأسمى لمن يُظلمون ويقتلون في الدنيا ويتعلقون إلى الآخرة ويتطلعون إلى العدل فيها.. فنحن لا ندري من بعد الأمل والتعلق والتطلع.. ماذا سيكون، لأن ذلك شأنًا إلهيًّا وهو مما لا نقاربه من شؤون.
في القتل والعدل "بشريًّا"، تطحننا الوقائع وتنهكنا الأسئلة وتكاد تقتلنا المقاربات.. إذ كيف نرى لمعةً لشعاع عدلٍ في قتلٍ بقتل فيه حياة للناس، "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب"، حين يتعدى فعل القاتل/المجرم حدود قتل فردٍ بغير حقٍّ إلى قتل أفرادٍ وجماعات، وتعريض شعب لمخاطر القتل والتشرد والجوع والمعاناة وفقدان الأمل، ووطن لفساد وإفساد بما يتخطى الفساد في أرض الذي يوجب القتل؟! وكيف نقارب "بشريًّا" قصاصًا فيه حياة، حينما نحكم بالقتل على قاتلٍ قتل أكثر من فرد وجماعة وكاد يقتل شعبًا؟! إن العدالة مستحيلة في هذا النوع من الوقائع والقضايا، ومن ثم فإن غيابها، أي العدالة، أو استحالة الحصول عليها في الحياة، وفق المنظور البشري العقلي والوجداني والعملي المعيش، يؤسس لشعور فادح بالظلم وتغييب مضمر أو معلن للقانون والشرع، وهذان يؤسسان بدورهما للثأر والنقمة والحقد والتمرد والفوضى في معظم الأحوال والأحيان، وإلى أن يشعر بعض الناس في أن الانضمام لفئات القتلة والمجرمين والسراق والمفسدين في الأرض يمنحهم شيئًا من الحماية من الضالعين في هذا النوع من العيش والممارسات، ويجعلهم يحتمون بالقوة بوصفها رادعًا أو قامعًا فيزداد بذلك فريق الأشرار والمقبلين على انتهاك القانون وممارسة الجريمة عددًا وغطرسة وعدوانًا.. كما أن ذلك الوضع يؤدي إلى استلام للأمر الواقع وتسليم قهري لمنطق الواقع المر، هو في حقيقته تسليم المكرَه على التسليم وابتلاع ما يكرَه وليس تسليم المؤمن الآخذ بعمق ما في الإيمان من عدل تقيمه حكمة إلاهية في قدر مقدور، واحتساب المغلوب على أمره وهو احتساب مدخول بالعجز والحسرة ومرارة الظلم، وبإحساس بالغ بضعف يفضي إلى مزيد من الضعف ويضاعف قسوة الحياة.
إننا نصل عند مقاربة الأمور على هذا النحو، وحين نتوقف عند طغاة ومجرمين ولصوص مارسوا قتل أفراد وجماعات وشعوب، بعنصرية ووحشية، بدوافع إجرامية وتسلطية، ومن مواقع سياسية أو عسكرية أو أمنية أو عقائدية أو أيديولوجية أو.. أو.. نصل إلى ما يقربنا من الكفر بأية عدالة أرضية مهما كان نوعها وشأنها.. فأين العدالة مثلًا في شأن مجرم صهيوني مثل شارون مات على فراشه ميتة الأجرب بعد أن ارتكب كل ما ارتكب من جرائم، ومثله صهاينة كثير من بيجن وشامير إلى نتنياهو وأشباهه؟! وأين العدالة، وكيف يمكن أن تكون بشأن المجرم جورج Wبوش الذي دمر العراق وقتل مئات الآلاف وأسس لتمزيق بلد عريق ولاستمرا نار الفتنة فيه وانتشارها منه إلى غيره من البلدان، وكذلك الأمر في تابعه بلير الذي كلف بمهمة عدل ووساطة حق بشأن الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة وإرهاب العنصريين الصهاينة والأميركيين منذ وعد البريطاني بلفور؟! وأين العدالة وكيف يمكن أن تكون مهدئة للنفوس ومريحة للعقول بشأن كل من ارتكبوا الجرائم في العراق وسورية ولبنان وتونس ومصر واليمن والجزائر و.. و..؟! أننا حين نقارب ذلك ننتقل من منافي بيداء إلى ضفاف رمضاء، ونبقى نكتوي بنار الظلم ونتطلع إلى السماء بانتظار عدل في أرض البشر تتناوبه بالطعن والقتل طغاة الأرض والمجرمون والمتوحشون فيها.. وفي هذا البلقع نتلمس الطريق إلى منارات توجهنا نحو شواطئ عدل وأمن وسلم، فلا نلمس في نهاية المطاف إلا نتائج سلبية تصب في مجرى نهر الشر المتدفق ظلمًا وظلمة في سواقٍ من دم.. وعند مقارنة لجج نهر الشر ذاك بما قد يكون في نهر الخير من خير، يظهر لنا انحياز بشر كثيرين إلى القوة وخيارتها وممارساتها وقوانينها ومنطقها في مظاهرها وتجلياتها، ويتبدى ذلك بوضوح في تكاثر عدد السائرين في دروب الظلم والعدوان والطغيان والإجرام والفساد من بني البشر، ومن كثافتهم في ركب الطغاة واللصوص والمجرمين وأمراء الفوضى وناشري الموت والرعب، كما يتجلى في خوف من الطغاة وموالاة لهم بسبب ما يثيرونه في الأنفس من جراء الترهيب والترغيب، وما يميزهم ويزينهم بنظر العامة وضعاف النفوس بسبب ما يقوم به الأتباع والطبالون والزمارون.. فنرى جمعًا لجبًا من الناس يقبلون عليهم وعلى خياراتهم، ومن يقلدهم في مسيرتهم وأنواع خياراتهم، ونرى أنهم قليلًا ما يتعظون بمصائرهم إن هي جاءت على نحو محزن، وحتى حين يحل بالطغاة والمجرمين والقتلة ما يحل بهم على نحو ما، بعدل بشري أو بطريقة ما، يتحولون إلى سواهم ممن غالبهم فغلبهم أو ممن خلفهم.. فهم يرهبون ويتبعون من صعد أعلى وبطش أكثر ونهب أكثر وأخاف وادعى أنه يميت ويحيي.. فكثير من البشر على مبدأ "الناس مع الواقف"؟!.. وهكذا نجد أن من يختارون الطرق والوسائل الخيرة يقل عددهم ويتراكم الظلم عليهم، وحين يسعون إلى إصلاح أو إلى وقفة ما بوجه الظلم والطغيان والانحلال يتفرقون أو يدفعون ثمنًا باهظًا يجعلهم ينكصون على أعقابهم في كثير من المواجهات، أو تراهم يصمدون ولكن إلى وقت حيث لا يلبث أن يتسلل إليهم سوس ينخر وينخر فيضعف صفوفهم ويفرقها، فالنفس أمارة بالسوء وكثيرون هم من يستسلمون لسوئها ولا يسلم من ذلك إلا من رحم ربك.. وهكذا نجد أن الخيارات التي يختارها فريق من الناس الخيِّرين تأتي هبَّات هبَّات، لشعور عارم منهم بالظلم أو لاستشعارهم ضرورة التحرك لحماية الذات والعدل ومقومات الحياة وبعض القيم والأخلاق والحسن من العادات.. وفي كثير من الحالات تكون تلك الهبات عاصفة عابرة، بسبب ضعف الرصيد التاريخي لهذا النوع من الأداء أو قلة المقبلين على هذا الأمر من الذين لديهم الاستعداد للعطاء بتضحية خالصة ومن تتساوى عندهم الاستفادة والعبادة.. وغالبًا ما تأتي تلك الهبَّات من قلة من البشر يستشعرون قوة بدوافع اعتقاد بأن الحذر لا ينجي من القدر، وبدافعٍ من توقِّي أخطار ودفع مظالم وانبعاث غريزة الدفاع عن النفس وعن المعتقد والحق والإيمان بالله وعن حقهم في الحياة وضرورة التحرك حرصًا على عدل يقيم الحياة ويقوِّم اعوجاجها، ويحركهم أيضًا واجب تشب ناره شبوب النار في مواقد الحطب ليلًا.. ولكن لا يلبث أن يتناوب عليها مناهضوها ويدفّون عليها من كل جانب، فتخمد تلك النار أو تكاد، ويبقى جمرها تحت رمادها، وقد يهمد ما لم تجدده هبَّة إيمان وشعور بضرورة القيام بواجب الدفع عن النفس والعدل في الحياة لكي تستقيم الحياة بإقامة العدل.. ونادرًا ما تقلَّم بذلك أظفار الشر.
نحن أمام جوائح من الظلم، ومناقع من الدم، ومواقع من الدمار، وانتشار للعري والجوع والعار بسبب العدوان والظلم والفوضى والتسلط والإرهاب وأنوع الممارسات التي تنطوي على كل صنوف الشر، ويأتي على رأس ذلك القتل ثم القتل ثم القتل، تقوم به تحالفات دول وجيوش وجيوش، وعصابات وعصائب مسلحة بعد عصائب وأشخاص من كل النماذج من أمراء الحرب إلى لصوص الشعب في ميادين السياسة والتجارة.. قوى تقول وتقول وتصول وتجول، ونجدها تخل بالعدالة وبمقومات الحياة وقيمها وبكل ما يجعلها مستساغة في نفوس الخلق.. ولا يمكن أن ينصفنا من أصحاب تلك الأفعال والآمرين بها والقائمين عليها والمزينين المروجين لها حكمٌ بشري "عادل؟!" وعدالة أرضية عرجاء..!! ونبقى بسببها وبسبب من هم/وما هو على غرارها في حُلكة ظلم وقهر وبؤس، ننتظر أن يبزغ فجرٌ وتشرق على الناس شمس.. ذلك لأننا نعيش ونرى أن القتل يأس، ونصر على أن نبقى ويبقى فينا الأمل والتوق والبأس.. فلا حياة مع اليأس.