[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
آخر مرة ورد فيها لفظ "خراسان" أمام ناظري أو إلى مسامعي كانت من بطون كتب التاريخ، إذ تذكر التواريخ أن المسلمين العرب فتحوا خراسان بعد فتح بلاد فارس على عصر الراشدين (رضوان الله عليهم). كما أني لم أزل أستذكر "أبو مسلم الخراساني" ذلك الجنرال الذي قاد العلويين أثناء الثورة العباسية ضد الأمويين حتى استقرار الأمر لأبي العباس السفاح، أول خلفاء بني العباس، إذ ذبح الأخير الخراساني، غدرًا، في حفل عشاء أقامها على شرفه حقبة ذاك. وقد ظهرت واحدة من فرق غلاة الشيعة بعد قتل الخراساني أعلاه تؤمن بعودته، فسميت بـ"الخراسانية".
أما "خراسان" التي ترعب أميركا اليوم، فهي منظمة إرهابية منبثقة من القاعدة، وهي تعد من وجهة نظر خبراء مكافحة الإرهاب الأميركان، وكما يشير لذلك رئيس مركز مكافحة الإرهاب الأميركي، أكثر خطورة على أميركا مما يسمى بـ"داعش" أو القاعدة. ومرد ذلك هو أن العقل الإداري والاستخباري الأميركي يتعامل مع أنواع المخاطر ويضعها حسب سلم أولويات يرتهن بمباشرة الخطر وبأهميته: فداعش تشكل خطرًا كبيرًا على الولايات المتحدة على المدى البعيد، أي بعد أن يتبلور احتمال عودة عدد من حاملي الجوازات الأميركية والأوروبية منها إلى الولايات المتحدة لتنفيذ أعمال تخريبية وإرهابية هناك. "خراسان" هي منظمة أخطر من "داعش" ومن "القاعدة" في آن واحد، وسبب ذلك هو أنها تستهدف خطوط الطيران التجاري الأميركية على نحو مباشر، الأمر الذي يجعلها أكثر إرهابًا وتسببًا بالرعب، فأميركا تحيا على النقل الجوي وتتحرك به. عندما سئل "مايك موريل" Mike Morrel نائب رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية السابق عن سبب استهداف "خراسان" خطوط الطيران عن سواها من الأهداف الحيوية، فإنه أجاب بأن للطائرات قيمة رمزية لأنها تمثل الحضارة والثقافة الأميركيتين، زد على ذلك عدها أهدافًا رخوة يمكن تناولها بالتخريب بيسر نسبي أكثر من سواها من الأهداف الأميركية. وقد أشار "موريل" إلى أن ما يزيد من خطورة "خراسان" على أميركا إنما هو أواصرها المتينة مع كوادر القاعدة في باكستان من ناحية، وصلاتها بالقاعدة في اليمن، من ناحية ثانية، حيث إن العسيري يعد أخطر رجل في عالم متفجرات الطائرات، بعد أن برهن على استحقاقه هذا اللقب بالمواد المتفجرة التي ابتدع زرعها في قفا مسافر إفريقي يقبع اليوم في السجون الأميركية، إضافة إلى إخفائه متفجرات أخرى بمهارة عالية في أجهزة يمكن نقلها بواسطة الطائرات.
وهكذا تقفز خراسان من كتب التاريخ المدرسية على حين غرة لتفترش العناوين الرئيسية للصحف والآنية الإعلامية عالميًّا الآن، ليست جزءًا من الدولة العباسية ولا الأموية، وإنما امتداد من القاعدة/باكستان والقاعدة/ اليمن، علمًا أن الأخيرة يعدها الأميركان الأخطر في خضم المواجهة العالمية المضادة للإرهاب.
وإذا كانت خراسان كتب التاريخ قد عرفت بتمرداتها وثوراتها المتكررة ضد الإمبراطوريتين العباسية والأموية، فإن "خراسان" الإعلام الأميركي تتقمص دورًا موازيًا في تمردها اليوم.