[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
خطوة إيجابية وجيدة، قرار مجلس وزراء خارجية بلدان منظمة التعاون الإسلامي الصادر في 2 آذار/مارس 2019، والذي ينص على "إنشاء وتشغيل صندوق وقفية لدعم اللاجئين الفلسطينيين"، تلك الخطوة تمثّل من وجهة نظر رئاسة وكالة الأونروا، معلما بارزا في الجهود الرامية إلى تنويع مصادر التمويل المالي والعيني الداعم للميزانية العامة للوكالة، ولمسارات عملها وسط مجتمع اللاجئين الفلسطينيين الذين يُشكّلون نحو 65% من التعداد العام للشعب العربي الفلسطيني في الداخل والشتات. وسيكون عندها باستطاعة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والبلدان الأخرى، بالإضافة إلى القطاع الخاص والأفراد، أن يساهموا فيه من خلال البنك الإسلامي للتنمية، وبالتالي يشاركوا في استدامة برامج الأونروا وفي ضمان توفر التمويل اللازم لتنفيذها.
لقد طُرحت فكرة إنشاء صندوق وقفية للمرة الأولى في تقرير صدر سنة 2017 عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الذي كان لتوه قد تسلم مهام عمله كأمين عام، وأعلِنَ عنها في مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائية السابعة لمنظمة التعاون الإسلامي الذي انعقد في اسطنبول في أيار/مايو 2018. ويرمي هذا الصندوق في الأساس ـــ وكما هو مُفترض ـــ إلى الحفاظ على خدمات وكالة الأونروا المقدمة لعموم لاجئي فلسطين في مناطق عملياتها الخمس (قطاع غزة + الضفة الغربية والقدس الشرقية + سوريا + لبنان + الأردن). حيث من المقرر تثبيت مقر صندوق الوقفية في البنك الإسلامي للتنمية، لتعتمد عليه وكالة الأونروا في تدعيم برامجها في مجال التنمية الإنسانية، تلك البرامج التي تحظى باحترام دولي من حيث تأثيرها الطويل الأجل ومساهمتها في تحقيق الكرامة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم إلى أرض وطنهم التاريخي طبقا لمنطوق القرار الأممي 194 الصادر بتاريخ 11/12/1948 (الدورة الثالثة للجمعية العامة)، والذي قامت الوكالة استنادا إليه بالقرار الأممي 302، (الدورة الرابعة للجمعية العامة) بتاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر 1949، على أن يتم إنهاء عمل الوكالة بعد تنفيذ القرار 194. وتشمل خدمات الأونروا على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية.
وفي هذا الخصوص، ووفقا لبيان صادر عن وكالة الأونروا يوم الرابع من آذار/مارس 2019 الجاري، فإن المفوض العام للوكالة، بيير كرينبول، السويسري الجنسية، والمعروف عنه بتعاطفه الشديد مع الشعب الفلسطيني ولاجئيه، اعتبر أن قرار إنشاء الوقفية: "يأتي من جانب قادة منظمة التعاون الإسلامي وأعضائها في الوقت المناسب ليقدم دلالة فريدة على التضامن مع اللاجئين الفلسطينيين، ومن المهم لنا أن نكون قادرين على الركون إلى دعم مالي ثابت وخاضع للتنبؤ، على غرار الدعم الذي تَعد به هذه الوقفية، حتى نتمكن من الحفاظ على جودة خدماتنا ونطاقها".
ونُشير في هذا الجانب أن وكالة الأونروا تواجه اتساعا في نطاق عملها، بسب الزيادة الطبيعية في أعداد لاجئي فلسطين المسجلين على قيودها في مناطق عملياتها الخمس، فضلا عن المحن والأزمات الكبرى التي مرّت وتمر على بعض مناطق مناطق وجود اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وقطاع غزة على وجه الخصوص، وفي لبنان أيضا، ونتيجة لذلك فإن الموازنة البرامجية للأونروا، والتي تعمل على دعم تقديم الخدمات الرئيسية، تعاني من عجز مالي يتوجب إغلاقه وإنهاؤه، خصوصا بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف التمويل الأميركي للوكالة، حيث لم تُقدم الولايات المتحدة المساهمة المالية المعتادة في ميزانية الوكالة العام الماضي 2018.
في هذا السياق، ومع الترحيب الشديد، بأي دعم مالي أو عيني يتم تقديمه لوكالة الأونروا لصالح لاجئ فلسطين، علينا أن ندقق بقرار إنشاء وقفية لدعم اللاجئين الفلسطينيين ووكالة الأونروا من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي، خشية أن "تكون وراء الأكمة ما وراءها"، فالقرار يحمل في ظاهره صورة من صور التعاون والتعاضد مع الوكالة ومع الشعب الفلسطيني وهو أمر ايجابي ومستحسن ومشكور، لكن الألاعيب الأميركية "الإسرائيلية" تنشط، ودون توقف، في كواليس الدبلوماسية السرية لإنهاء وتفكيك وكالة الأونروا، وإحالتها على التقاعد، وإحالة مهامها على الدول المضيفة أو حتى على منظمة المؤتمر الإسلامي، كي تصبح الوكالة من الماضي، وذلك من خلف المجتمع الدولي والأمم المتحدة. وبالتالي فإن إنهاء الوكالة وإحالتها على التقاعد تعني بالنسبة لواشنطن ودولة الاحتلال: التخلص وإلى الأبد، من الشاهد التاريخي، والقانوني، والأممي، على نكبة فلسطين والشعب الفلسطيني، وإنهاء سجلات وقيود لاجئي فلسطين وأحفادهم، وأنسالهم بعد النكبة، والمحفوظة في سجلات الوكالة وبشكل أمين وموثّق.
لذلك من المفترض على جميع الدول العربية والإسلامية، ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، أن تكون على درجة عالية من التيقّظ والانتباه من تلك اللعبة اللعينة، خشية من الانزلاق غير المقصود على طريق إنهاء عمل الوكالة عبر إحالة مهماتها على الدول المضيفة ومنظمة المؤتمر الإسلامي. فالجهد العربي، والإسلامي، والفلسطيني، يُفترض أن ينصب الآن باتجاه تحفيز المجتمع الدولي، وخصوصا الدول المانحة على السخاء بتقديم المساعدات المالية والعينية لرفد الميزانية العامة لوكالة الأونروا، وتطويرها، نظرا لتزايد أعداد لاجئي فلسطين، وتزايد حاجاتهم اليومية. والعمل من أجل تخصيص موازنة دائمة خصوصا بوكالة الأونروا من الميزانية العامة للأمم المتحدة.
إن وكالة الأونروا، والحفاظ عليها، وعلى دورها، وتحفيز السخاء بالتبرع الأممي لميزانيتها، مهمة وطنية، وقومية عربية، وإسلامية، يُفترض رفض المساومةِ عليها، فوجود الوكالة سيبقى إحدى العقبات الكبرى في مسار المساعي المعادية الهادفة لإنهاء وطمس قضية لاجئي فلسطين، وإهالة التراب على قضية حق العودة.