[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
ضمن ما ابتلي به الواقع العربي أشخاص لا ذمة تحكمهم إلا ذمة النفاق وهواية التسلق على جهود الآخرين، وتأسيس المزيد من محطات الجاه الزائفة لهم، ففي الميثولوجيا الشعبية العراقية يطلقون عليهم ألقابا ذامة أكثرها شيوعا (السختجية) ويضاهيها نسبيا في الشعبية المصرية (الطراحين). أما في اللغة الفصحى فهم العاذلون الذين ليس لهم من اختصاص إلا تخريب الواقع وتشويهه وشاية وإشهارا بالمزيد من الادعاءات والمزاعم والفرضيات غير المنطقية.
لقد كان محقا الأديب السوري الراحل عبد السلام العجيلي حين استوقفته كلمة العاذل لكي يجد لها مرادفا باللغة الفرنسية خلال ترجمته نصا شعريا عربيا إلى الفرنسية في حوار مع صديق فرنسي معني بالثقافة العربية، ويبدو أن هذا الصديق الفرنسي لاحظ حيرة العجيلي في بحثه عن مفردة تأتي بالصحيح لمعنى العاذل فسأله: ماذا استوقفك وأنت متمرس في اللغة الفرنسية؟ رد العجيلي: كلمة العاذل الذي يفرق بين المحبين، ويتطير إذا وجد الود يسود وينخرط في سجالات من أجل نشر الكيد وإلقاء اللوم ويكابد كثيرا، ولكن يفرح عندما يكون قد أنجز مهمته لتكريس الخصومة والافتراق والتباعد بين الناس. فعاد صديقه الفرنسي ليسأله: وما علاقة هذا الشخص بالمحبين وأصحاب الود لكي يفرقهم ويعمل على تهديم العلاقات بينهم؟ هل هو أحد أقاربهم؟ هل يمسه سوء جراء تواصل المحبين والعشاق؟ فما كان من الأديب عبد السلام العجيلي إلا ردّ قائلا: لا علاقة له أصلا بهم، بل لأنه لا يستطيع أن يشعر بالراحة والاطمئنان إلا باعتماد هذا المنهج العدواني البغيض.
العاذلون أو السختجية أو الطراحون ليسوا سوى باعة هواء ومنظري فتن وأصحاب سوابق متكررة على الإصرار في تهديم العلاقات والانخراط في عمليات إماطة اللثام عن كل ما يؤدي إلى الشك والريبة وتغذية النزاعات، وإذا صح التوصيف أيضا فهم طواطم بعيون سوداء أو عسلية أو زرقاء، وهم أيضا ومن ذات الوصف متطرفون لا يشق لهم غبار في تقديم الوصفات الجاهزة عن هذه القضية أو تلك من أجل أن يدفعوا المحيطين بهم للاتكال عليهم، ولك أن تتصور كم دفع الواقع السياسي العربي خسائر جسيمة من جراء وجود هؤلاء الأشخاص خصوصا إذا كانوا على دفة المسؤولية السياسية ولهم قرارهم في تبني أفكار من هذا النوع؟! تستطيع أن تجدهم في المؤتمرات وورش العمل والندوات والحوارات بأي شكل كان، وتستطيع أن تحسب خطواتهم من على فضائيات لا تجيد تقديم إلا الشتائم، ومواقع إنترنت ليس لها من هدف إلا صناعة الأكاذيب.
إن ما يجري في الواقع العربي جراء هؤلاء الأشخاص المتنفذين أدى ويؤدي بصورة أو بأخرى إلى التهويم السياسي والإبقاء على سطوة الركود ليس إلا.
إن مواجهة مزاعم وافتراء العاذلين تتطلب بالضرورة القصوى التصدي لهم بالكثير من الكشف الموضعي، وفضح الأهداف الكامنة وراء ما يروجون له، وإذا تعذر ذلك فلك أن تتصور كم يدفع واقعنا العربي من أثمان باهظة في ميادين اقتصادية وسياسية وأمنية؟ لأن الحقيقة لا تتوفر تماما كما تفعل الأسماك التي تنزلق من أيدي الصيادين عائدة إلى الماء في محاولة للامتناع عن كشف الحساب، وهكذا أيضا وما دمنا في موضوع هذا النوع من الكسب فلنا بدون أية مواربة أن نمتنع عن ثقافات التوليم تأسيسا على ما قاله الأصمعي (لوامة لامت بلوم شهب).