بمعالجة جديدة وفريدة أصدرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب بمناسبة مرور "450" عاما على ميلاده
عرض ـ حسام محمود:
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب بمناسبة مرور 450 عاما على ميلاد وليم شكسبير كتاب لرواية تاجر البندقية بمعالجة جديدة وفريدة , وهى تعد عملا تاريخيا ومن احدى روائع الأدب العالمى , ألقى الناقد الدكتور محمد عناني أستاذ الأدب الإنجليزى وعميد المترجمين العرب بلا منازع الضوء فى هذا الكتاب على بصمة حياة شكسبير الأدبية , وما صوره فى أدبه من قيم عالجها بشكل مستفيض , حيث يعتبر عنانى من أكثر المترجمين الذين تعمقوا فى فكر وفن ولغة الكاتب الإنجليزى وليم شكسبير الذى حاز على اهتمام عنانى منذ عقود , فقام بترجمة 19 عملاً من مؤلفاته البالغ عددها 37 عملاً ، وأشهرها روميو وجولييت وتاجر البندقية وهاملت وماكبث وعطيل والملك لير والعاصفة وضجة فارغة .
أبو المسرح
يقول الدكتور عنانى عن شكسبير في العديد من المناسبات إنه يمثل للعالم كله أبو المسرح الحديث ، ومن أعماله انبثقت كل أنواع المسرحية الحديثة سواء أكانت فى المأساة أو فى الملهاة أم فى المسرحية الاجتماعية والسياسية والتاريخية . لقد قدم شكسبير 37 مسرحية غطى فيها المسرح بتجلياته خصوصا الشعري ، كما تميز بكتابة أغلب المسرحيات شعرًا مع نثر أقل وخاصة مع المسرحية الكوميدية . بصفة عامة لا يستطيع كاتب أن يبدأ التعرف إلى دراما المسرح الحديث إلا بالرجوع إلى شكسبير الذى قدم مسرحاً مختلفاً تماماً عن المسرح اليونانى القديم ، الذى لم يعد يقدم على المسارح اليوم ، وتتم قراءته للتعرف على التراث المسرحى التاريخي ، أما المسرح الحالى فهو من إنتاج تقاليد شكسبير . أرسى شكسبير قواعد عدة للمسرح يمكن تلخيصها فى أربع نقاط ، أولا : طول المسرحية المحدود بساعتين إلى ثلاث ساعات وبناء المسرحية بحيث يمكن تقسيمها كما يحدث فى مسرح اليوم إلى جزأين (رسميًا يقسم إلى خمسة فصول ) . لدى شكسبير لم تكن تقسم المسرحية إلى فصول ، بل إلى مشاهد ، ويستطيع المخرج الحديث أن يجمع عددًا من المشاهد فى جزء ، والبقية فى جزء آخر . ثانيًا : القدرة على تناول المسرح لقضايا إنسانية عامة من خلال أحداث محددة ، وهو ما يفعله كتاب المسرح الشعرى المعاصر فى العالم أجمع ، ثالثا : القدرة على استخدام الإسقاط السياسى الرمزى لما هو محيط ، رابعًا : القدرة على النزول بمستوى اللغة إلى العامية فى الكوميديا ، وهو ما أثار أسى قراء تراجيدياته مثل : هاملت ، وعطيل ، والملك لير ، عند مشاهدة أو قراءة مسرحياته الكوميدية . وهذا الصدى ما لاقته مسرحية زوجات مرحات من نجاح ساحق عند عرضها على مسرح الطليعة بمصر عام 1981 ، رغم كونها كوميديا فاقعة ، ولا تتفق مع صورة شكسبير التقليدية ، باعتباره شاعر المآسي . تأثر به كثير من الشعراء العرب والمصريين ، فمثلاً أمير الشعراء أحمد شوقى حاكى شكسبير فى البناء والمادة والنظرة الشعرية خاصة فى مسرحيتيه روميو وجوليت ، وأنطونيو وكليوباترا ، وهو ما عمل شوقى على التوازى معه فى مجنون ليلى ، ومصرع كيلوباترا ، فضلاً عن تأثره بنزعة شكسبير التاريخية والكتابة عن تاريخ انجلترا ، حيث كتب شوقى مسرحيات تاريخية عربية ، مثل : قمبيز وعلى بك الكبير . نجد أيضاً ثمة تأثر عند الأديب الراحل عبد الرحمن الشرقاوى بشكسبير فى كتابته لمسرحية الفتى مهران ، ونلاحظ أيضاً وعى الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور بأهمية شعر شكسبير المسرحي ، وهو ما شرح تفصيلاً فى مقدمة طبعة جديدة صدرت مؤخراً متضمنة ترجمة إنجليزية كاملة لمسرحيات عبد الصبور الخمس ، بالتعاون بين عنانى وبين الدكتور نهاد صليحة التى ترجمت مسرحية له . وقد أشار عنانى فى المقدمة إلى محاكاة عبد الصبور المتعمدة أحياناً لشكسبير ، وخاصة فيما يتعلق بتقديم حادثة تاريخية معينة تلقى بظلالها على الحاضر فتشرحها شرحًا دراميًا وشعريًا ، وهذا ما فعله الراحلان السوريان : عبد الله ونوس ، ومحمد الماغوط ، وكذلك بعض الشعراء المعاصرين بمسرحياتهم ، ومنهم : الشاعر المصرى محمد إبراهيم أبو سنة ، فى كتابته والى مصر محمد على باشا (1769 - 1849) ، لإلقاء الضوء على الأوضاع السياسية الراهنة ، ومثلما كتب عنانى شخصياً المسرحية الشعرية الغربان ، وجاسوس فى قصر السلطان . وجمع الأدباء روايات ومسرحيات شكسبير للنقد والإقتباس لإحداث أدب جديد يجمع بين الماضى والحاضر فى صور مؤلفات تعالج قضايا المستقبل بمنطق مقتبس من فكر شكسبير .
تاجر البندقية
يخصص عنانى مساحات للحديث والسرد لرواية شكسبير محل الدراسة بعرض تفصيلى نثرى وشعرى أما فى مجمل حديثه عن مسرحية تاجر البندقية فهى التى تمثل صراعا ساخنا بين معايير الوفاء والأنانية , وبين حب الخير ونزعات الشر , وبين حب صنع الخير وصناعة الفتن والمؤامرات , فتاجر البندقية هو ( أنطونيو ), وكان تاجرا كبيرا وأخلاقه حميدة ويتسم بالوفاء والجود ، وكان يقرض الناس المحتاجة بدون فوائد , وهذا ضمن ما كان يقوم به من تضامن محمود مع الآخرين يفك به حاجة المكروبين والفقراء . وكان له جار يهودي جشع على عكس أخلاقه تماما ، كان يقرض الناس بالفائدة الربوية ويستغل ضائقة الآخرين لجمع المال بنهم، والإثنين كانا دائما الشجار والخلاف بسبب الفوارق الأخلاقية بينهما ، وكانت النصرة دائما لأنطونيو لأعماله الجليلة وحب الناس له . وفي يوم جاء صديق عزيز لأنطونيو ذكر له أنه يحب بنت غنية , ويريد أن يتزوجها , ولكن ليس لديه المال الكافي لاتمام هذه الزيجة ، وطلب من أنطونيو أن يقرضه هذا المال . ولكن أنطونيو في ذلك الوقت كان قد وضع كل ماله في بضائع سوف تصل بالسفن بعد فترة ، وهو يريد مساعدة صديقه بأى شكل لما يتسم به من اخلاقيات سمحة تدعو لدعم الأصدقاء والوفاء بالعهود . وأخذ يفكر طويلا في الأمر ، وأخيرا قرر اللجوء إلى جاره اليهودي حتى يقترض منه المبلغ ولو بفوائد ، ويعطيه لصديقه دون أن يعلمه بذلك حتى لا يجرح مشاعره أو يضعه فى ورطة . ولما عرض الأمر على اليهودي اللئيم ، وافق على الفور , ووجدها فرصة سانحة حتى ينتقم من أنطونيو ويذله ، فوضع شروطا صعبة كعادة اليهود دائما للنيل من أنطونيو الخير . فأعطى اليهودي المبلغ لأنطونيو , وكتب عقدا شهد عليه قاضي المدينة ، وكان الشرط الصعب فيه هو أنه لو تأخر أنطونيو عن موعد السداد للدين يقوم اليهودي بقطع رطل لحم من جسد أنطونيو . ولم يهتم أنطونيو بهذا الشرط فى البداية لأنه كان على ثقة تامة من وصول تجارته قبل الموعد المحدد ، وأنه يستطيع أن يرد له الدين . ولكن حدثت المفاجأة فى النهاية , ولم تصل السفن في موعدها ، وجاء موعد السداد ، ولم يستطع أنطونيو أن يسدد الدين في الموعد المحدد كما كان متفقا . فذهب اليهودي إلى المحكمة لكي ينفذ شرط العقد كلها ، وأخذ القاضي يتحدث مع اليهودي لكي يقنعه بعدم تنفيذ هذا الشرط الجائر والذى يمثل اغتيالا وقتلا . وخاطبه باسم الإنسانية والأخلاق والأديان لكنها أمور لم تكن ببال اليهودى أو يعيرها اهتماما ، فرفض اليهودي وأصر بقوة على تنفيذ الشروط كلها . وهدد القاضي بأنه إذا لم ينفذ الشرط فإنه يعرض دستور المدينة والدولة للخطر الداهم . ولما سمعت العروسة بهذا الموضوع جاءت إلى المحكمة , ومعها المبلغ كله لأنها كانت غنية , ولكنها تنكرت في شكل محامي يدافع عن أنطونيو ، وفى البداية لم تنجح في دفاعها بسبب اصرار اليهودى وتعنته ورغبته فى الانتقام . ولما عرضت المبلغ المطلوب على اليهودي رفضه بشكل قاطع ، فعرضت ضعف المبلغ فرفضه ، وعرضت أضعاف المبلغ لكي يتنازل عن تنفيذ الشرط ولكنه أصر على الرفض . وتعجب القاضي من اليهودي الذي يحب المال كيف لا يرضى بكل هذه الأموال الطائلة وسأله عن سبب الرفض ؟ فقال اليهودي إنه لا يريد المال مهما كان قيمته , ويفضل قطعة من لحم أنطونيو يرميها بدون فائدة لأنه يكرهه . فقالت العروسة للمحامي بذكاء أقطع منه رطلا من اللحم كما هو متفق عليه ، ولكن ليس من حقك أن تأخذ دمه أو تتسبب في موته ، فذلك لم يكن في الاتفاق . واتهمته بالتخطيط والشروع في قتل أنطونيو عامدا متعمدا ، وهذا عقوبته السجن , ومصادرة جميع أملاكه وفقا لقوانين الدولة . وفعلا ثبتت التهمة قانونيا علي اليهودى ، فاضطر أن يتنازل عن نصف ثروته لأنطونيو لكي يهرب من السجن ويحتفظ بنصف ثروته . وكان عدم وصول سفن التجارة في موعدها من تخطيط اليهودي لكي ينتقم من أنطونيو وانكشفت مؤامرته للقاضى . وبعد ذلك وصلت السفن بأمان إلى مدينة فينيسا ( البندقية ) بإيطاليا موطن الرواية , واستطاع أنطونيو النجاة بحياته , والفوز بنصف ثرورة اليهودى بجانب أرباح تجارته , وأيضا اسعاد صديقه بمساعدته على الزواج ممن يحب حتى لو كانت عروسا غنية لكن ذكاءها ووفاءها بمعروف أنطونيو كانا سببا لهذه النهاية السعيدة , فالمعروف والخير يرتدا لصاحبهما مهما طالت الأزمات .