العامل في كل الدنيا هو المحرك الأساسي لعجلة الإنتاج وهو القاعدة التي يرتكز عليها اي تقدم او تطور في مختلف العلوم والمجالات، وهو الذي تنغرس بصماته في كل شبر من اي انجاز يتحقق هدفه تعمير الأرض وسعادة ورفاه البشرية ، لقد قسم الله الأدوار بين البشر في العمل كل فيما يجيد وما يبذل من جهد لتحصيل العلوم والمعرفة وتطوير الذات ، ولقد كان منذ الأزل تباين في دور كل واحد فمنهم من يعمل في تجارته والبعض الآخر أجير عنده والآخر يؤجر تجارته للبعض فضلا عن أولئك العاملين في الدوائر والدواوين وبيوت المال وغيرها من التسميات، الا ان مع ظهور التنظيم الحديث للعمل تجزئتها الى قطاعات حكومي وخاص والنهضة الصناعية الحديثة وتزايد متطلبات واحتياجات الناس التي تطلبت التوسع في إنشاء مجالات الخدمة لمواكبة التعداد السكاني المتزايد أنشأت الوزارات والمؤسسات الحكومية وفي خط متوازٍ كانت هناك الحركة التجارية والصناعية، وكل ذلك ترتب عليه ان يكون هناك تنظيم يحكم العلاقة بين العامل وصاحب العمل سواء في الحكومة او القطاع الخاص .
وبما ان الحكومة في بعض الدول وخاصة النامية تعتبر الأقوى والممول الرئيسي للقطاع الخاص والمحرك الذي يعتمد عليه في تشغيل هذا المرفق وتعزيز دوره ، فقد كان لزاما ان تؤمن لمن يعمل تحت إدارتها الأجور والحوافز والامتيازات التي تمكنهم من الاستمرار في الأداء وحمايتهم من أنفسهم تجنبا لأي انحراف قد يحدث في السلوك ، وتلك بطبيعة الحال ـ فيما يخص بلادنا ـ مرت على مراحل طوال الأربعة الأربعين عاما الماضية ، الا انه وان كان بدرجة اقل على اعتبار ان الحكومة مؤسسة واحدة والقطاع الخاص مئات الآلاف من المنشآت فقد مر كذلك هذا القطاع بمراحل من حيث تطور الأجور والحوافز والامتيازات حتى قبل ان تكون هناك مؤسسة تراعي مصالحهم ، وعلى الرغم توفر المنشآت التي يمكن ان تقلب معادلة القطاع الخاص الأعلى أجرا وامتيازا للعاملين فيه فقد استجابت الحكومة للعديد من مطالب العاملين في القطاع الخاص وضغطت على هذا القطاع من اجل التقريب في الكثير من الجوانب مثل إجازة نهاية الأسبوع وتوحيد الإجازات وأخيرا احتساب التأمين على أساس الأجر الشامل، مع العلم بان ذلك لاشك كان على حساب زيادة كلفة الخدمة التي يتحملها المستهلك.
كل هذه السلسلة من الإجراءات التي اتخذت لتقريب الفجوة بين القطاعين لايزال البعض للأسف الشديد غير راض عنها ويرغب بان تحقق كل المطالب في يوم وليلة ، وذلك من خلال إتباع نهج الثرثرة الإعلامية والاعتصامات التي لا يفرق أسبابها بين حقوق مستحقة قانونا ومطالب ليست لها علاقة بالحقوق ، وبالتالي يتضرر الجميع من القيام بمثل هذه الخطوات التي يتبعها البعض من مبدأ المقولة المتعارف عليها (نازع ولا تخيب عسى في النزاعة نصيب) والسؤال المطروح هل فكر أولئك الذين يتصدرون المشهد العمالي في المنشآت بان تحسين وضع العمال العمانيين في القطاع الخاص والذي كلنا معه لا يكون الا بالحوار؟ الا نعتبر من الحالات التي سبقت وتأثر بها المئات من العاملين ؟ لماذا لا نفكر من خلال رؤية مختلفة ندعو من خلال الشباب للالتحاق بالعمل في القطاع الخاص وصولا الى قلب المعادلة بين نسبة الوافدين والعمانيين وفرض سياسة الأمر الواقع بالعدد وليس القلة ؟ وكما الوضع في القطاع الخاص بان هناك عاملين أجورهم قليلة والاستقطاع التأميني يؤثر عليهم فان هناك عاملين في الحكومة في اخر سلم الدرجات يتقاضون نفس الأجر، لكن يبقي في كل العالم هذا التفاوت بين العاملين ويبقى باب البحث عن الأفضل متاحا للجميع فهناك أشخاص كانوا في الحكومة خرجوا الى القطاع الخاص وآخرين خرجوا من القطاع الخاص الى الحكومة .
وحسب علمي بان هناك مؤسسة تعنى بشؤون العاملين في القطاع الخاص شريك أساسي مع الحكومة والقطاع الخاص في أكثر من مجال وتحاول من جانبها جاهدة في الحصول على الكثير من الامتيازات وفق تدرج مرحلي هدفه عدم التأثير على مصالح العاملين وقد حققت حتى الآن العديد من المطالب وكان لها دور بارز في مراجعة قانون العمل وقانون التأمينات الاجتماعية التي استطاعت من خلاله على الأقل بغض النظر عمن يقبل او لا المساواة في مع الحكومة في احتساب نظام التقاعد على أساس الأجر الشامل ، فلماذا كل ردود الأفعال التي يقدم عليها البعض لحرق المراحل التي على ما اعتقد لم تغفل عنها المؤسسة الراعية للعمال خاصة في الأمور التي يراها العامل حتى الآن دون الطموح ؟ انا اعتقد كل من يحاولوا ان يؤثروا على العاملين والإنتاج وتواجد المواطن في القطاع الخاص بآرائهم المستعجلة عليهم ان يصمتوا خيرا لهم ولغيرهم حيث ان المنابر الإعلامية اي كانت الوسيلة التي تستخدمها هدفها الإصلاح وليس الإثارة.

طالب بن سيف الضباري
أمين سر جمعية الصحفيين العمانية
[email protected]