[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
■ هذا الهلع الذي أصاب العالم العربي وربما العالم أيضا، نجحت في تسويقه أجهزة اعلامية مركزة، عرفت اسرار النفس الإنسانية، العربية تحديدا، ونجحت إلى حد بعيد في ان تقودها إلى الإحساس الذي تبغيه.
لكنها مبالغة اكيدة، اكثر بكثير من حقائق الواقع. فالتنظيمات الإرهابية «داعش» وغيرها، ليست جديدة على الساحة العربية، ولا هي معتمدة بشكل فجائي، الجديد فيها أسلوبها، بدءا من اللباس مرورا بسرعة خطفها لمساحة جغرافية عريضة، وصولا إلى طريقتها في التعاطي مع الخصوم والأفراد الذين لا يدينون بالولاء لها فكيف الأعداء، وهو الذبح وقطع الأطراف والصلب وغيره.
من أحيا تلك التنظيمات، هو من مدها بالحضور الإعلامي كي تبث مؤثراتها بهذه الطريقة التي أصابت العالم بما أصابته، مع أنها كانت حاضرة على مر السنين، وهي امتداد لتنظيم عمره من عمر الوضع الأفغاني، وليس فيه بالتالي اسرار أخرى كي يبعث الخوف والرهبة في النفوس كما يفعل.
إنه ظاهرة من الظواهر التي تتتالى على المنطقة بين فترة واخرى. ولكي نفهم معنى ذلك لا بد من مراجعة سريعة لأحوال الأمة في مراحل مختلفة كي نصل إلى المعادلة القائلة بأن التنظيمات الإرهابية ولادة طبيعية في مناخ عربي غير طبيعي، سيلعب دورا فيه الكثير من المشقات والعذاب والإهانات والقتل والتدمير، لكنه سيتلاشى بعد ان يأخذ مداه، تحقيقا للمثل القائل «كل ما وصل إلى حده انقلب إلى ضده».
حضوري في وقائع المنطقة يسمح لي بأن اكون شاهدا على ما عرفته من تفاصيل اثرت في مراحل عدة .. لقد ساد المد القومي الناصري عمر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أي ثمانية عشر عاما تقريبا، وخلاله نمت الأحزاب القومية من البعث إلى حركة القوميين العرب إلى الأحزاب الناصرية، وإلى جانبها احزاب علمانية مثل الشيوعية مثلا .. وفي لبنان وصل عدد البعثيين مثلا إلى سبعين الفا في الستينات من القرن الماضي مما دفع مؤسس الحزب ميشال عفلق الى القول للبعثيين اللبنانيين « لماذا لا تأخذون السلطة». وكانت بعض القرى اللبنانية تحديدا لا تتزوج فتياتها الا اذا كان من يبغي الزواج بعثيا او شيوعيا .. المهم ان يكون قريبا من عبد الناصر كما ساد ذلك المفهوم يومها بحيث ان كل حزبي هو ناصري حتى لو لم يكن كذلك. وحين توفي عبد الناصر، تأثرت تلك الاحزاب وافكارها، فظهرت المقاومة الفلسطينية التي اثرت على جيل كامل، واصبحت الهوس الشعبي المسيطر على العقول .. بل كان اذا ما دخل فدائي الى بيت فكأن قديسا دخله .. ظاهرة العمل الفدائي عاشت واستمرت واثمرت حالة اجتماعية متناسقة معها، لكنها بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 وابتعاد المقاومة عن بلاد الشام تحديدا غربت شمس تأثيره الى ان اصابها الاضمحلال .. في تلك الفترة المهمة من عمر الفراغ الذي اصيبت به المنطقة، طرحت فكرة ما العمل، اذ لا يجوز ان تعيش المجتمعات فراغا قد يؤدي إلى كآبات بالجملة، وهذا ضد منطق التاريخ، لهذا بدأت الارهاصات الدينية تتهامس في تلك المجتمعات، فبرز حزب الله ، وبرزت ايضا على جانبه احزاب دينية مختلفة وخصوصا في مصر التي عانت منها، وكذلك في سوريا، إلى ان تعاظمت تلك الأحزاب بعد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان ونشوء مقاومة ضده مقادة من اميركا مباشرة. كل ذلك ادى إلى خميرة هائلة التنظيمات التكفيرية التي ما ان اعلن عن قيام «القاعدة» حتى تم تفريخ العشرات من امثالها. واليوم ليس جديدا ان تطل علينا داعش ومشتقاتها .. هي حالة طارئة تعبر عن مرحلة لن تدوم مع انها قد تطول لأن لها علاقة بفكر حساس وهو الدين. ■