[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
■ أزمة وطنية سياسية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى تلك التي وقفت على مفترقها بريطانيا العظمى يوم الخميس الموافق 18-9-2014م، أزمة كادت أن تهدد كيانها ووحدتها وتاريخها وهيبتها الجيوسياسية، هذا إذا ما أضفنا إلى ذلك ما يمكن أن يترتب على تلك الأزمة من عواقب اقتصادية مستقبلية ـ خسارة نسبة كبيرة من نفط الشمال ـ واجتماعية وخيمة، أقصد بتلك الأزمة قضية انفصال اسكتلندا عن بريطانيا، ولكن وفي نهاية المطاف كانت النتيجة في صالح التاريخ والوحدة، ففاز رافضو الاستقلال والانفصال عن بريطانيا بـ55.3% من الأصوات بفارق كبير عن مؤيدي الاستقلال الذين حصلوا على 44,70% من الأصوات بحسب الأرقام الرسمية الصادرة صباح الجمعة بعد انتهاء عمليات الفرز في جميع الدوائر الـ32 في اسكتلندا.
خلاصة ما نرغب في الوصول إليه في هذا الطرح هي تلك الدروس والعبر العديدة التي يمكن أن نستقيها ونتعلمها من قضية أو أزمة انفصال اسكتلندا عن بريطانيا ومن بينها:
أولا: نجاح الساسة البريطانيين من مؤيدي الوحدة وعلى رأسهم رئيس الوزراء البريطاني كاميرون في إدارة أزمة سياسية وتاريخية خطيرة كادت لتقطع بريطانيا إلى أجزاء متفرقة، ولو قدر لها النجاح فلربما تفتح مجالا لمطالبة أجزاء أخرى بالانفصال عنها أسوة باسكتلندا كويلز وايرلندا الشمالية، وهو ما يهدد بتفكك امبراطورية قديمة ودولة عظمى حديثة كأمة وطنية وكيان جيوسياسي، ونقصد بإدارة أزمة هنا، هو تلك التحركات السياسية والدبلوماسية التي سبقت التصويت بوقت طويل جدا، والتي تندرج تحت باب المفاوضات والتوعية بمخاطر الانفصال والترغيب بمزيد من الصلاحيات والمميزات وغير ذلك من الأوراق الرابحة المستخدمة في مثل هذه الظروف، وبالتالي فإننا نقول إن النجاح هنا محسوب للحكومة البريطانية ولطريقتها في إدارة هذه الأزمة، وباختصار فإن الإدارة الاستراتيجية الناجحة لحكومة كاميرون لأزمة انفصال اسكتلندا عن بريطانيا كانت وراء النتيجة بدرجة كبيرة.
ثانيا: إن بقاء اسكتلندا بناء على رغبة الشعب في تصويت تاريخي ديمقراطي شفاف ونزيه، ومن خلال صناديق اقتراع، لم تتدخل في التأثير عليه غير الرغبة الوطنية بالانفصال أو الوحدة من كلا الطرفين، دون اللجوء إلى العنف وسفك الدماء وإزهاق الأرواح أو القيام بأعمال تخريبية أو انقلابية ولا مؤامرات أو خيانات لدليل واضح على رقي الشعبين من جهة والحكومة البريطانية من جهة أخرى، وهو دليل على الوعي والثقافة السياسية العالية للاسكتلنديين بمخاطر الانفصال، وهو انتصار للإيمان بالديمقراطية كخيار للعيش بسلام، فالديموقراطية والحرية المسؤولة هي امتداد للوعي والثقافة السياسية العالية.
ثالثا: قضية انفصال اسكتلندا عن بريطانيا مثال رائع لقدرة الحكومات والشعوب الناضجة على تحمل مسؤوليتها الوطنية التاريخية تجاه وحدة أوطانها، ودرس بريطاني رسمي رائع لطرق تعامل الحكومات الناضجة مع مطالب أبنائها ومواطنيها حيال قضاياهم الوطنية بالحكمة والصبر والرفق، لا بالاعتقالات والسجون واستخدام العنف.
رابعا: نجاح الوجبة الدسمة من المميزات والإصلاحات التي قدمتها الحكومة البريطانية للمواطن الاسكتلندي، دفع هذا الأخير لكسب ورقتين رابحتين، مميزات جديدة والاستفادة من البقاء تحت مظلة التاج البريطاني، وهو دليل واضح على أن الاحتكام إلى مصلحة المواطن والبحث عن راحته ووسائل إسعاده تعد وسائل ناجعة لكسبه.
خامسا: قال رئيس الوزراء البريطاني كاميرون: يجب أن تكون لسكان انكلترا وويلز وايرلندا الشمالية صلاحيات اكبر في إدارة شؤونهم، وهذه اللغة في الخطاب السياسي دليل واضح على الرؤية المستقبلية والاستفادة من دروس أزمة، وهكذا يتعلمون من أزماتهم فلا يقعون في الحفرة مرتين كما فعل ويفعل الكثير من الساسة المكابرين على مصالح دولهم وشعوبهم، ممن لا تهمهم سوى كراسيهم ومناصبهم ومصالحهم الشخصية.
طبعا هناك عبر ودروس سياسية ووطنية كثيرة من المؤكد بأننا لن نستطيع أن نفصلها في هذا الطرح الموجز، ولكن كان للنقاط السابقة بعض منها، فهي دروس وعبر تستحق الرجوع إليها والتمعن بها وخصوصا لحكامنا وشعوبنا العربية، فلعل ذلك يدفعها للمحافظة على استقرار أوطانها، والبحث عن مصالحها الوطنية قبل الشخصية، والركون إلى الوحدة الوطنية لا التقسيم والتقزيم والتجزئة والانفصال وطن بعد آخر كما شاهدنا ذلك في السودان، ولا نعرف من هي الدولة التالية على قائمة الدول المهددة بالتجزئة والانفصال في عالمنا العربي، فهي للأسف الشديد أصبحت كثيرة في هذا العصر الذي تحكمه الفوضى والإرهاب وتتحكم به الصراعات الطائفية والحزبية وتسيره المصالح الشخصية والفئوية لا الوطنية. ■