عندما تنطلق مجموعة من مباديء وقيم المجتمعات العربية والإسلامية في تحديد ما يكون وما لا يجب أن يكون من منطلق العادات والثقافة المكتسبة والتقليد المتراكم على مر الزمن لتشكل بذلك ما يسمى بثقافة (العيب) هذه الثقافة التي أستمدت نتيجة لفكر أشخاص رأوا بأن هناك أشياء يجب ألا تنفذ أو ألا يتم فعلها واقعياً مستندين في ذلك على منظورهم الشخصي للأمور بغض النظر عن مدى إرتباط تلك الأفعال والتصرفات بالحرام والحلال من الجانب الديني فهي عيب أي حرام من منظور مجتمعي وليس دينيا ، استقبال هذه الثقافة والعادات والتقاليد من جيل لآخر واستلامها دون النبش عن لماذا؟ وكيف؟ ، جعلها تصبح أكثر تقديساً واحتراماً من الحرام والحلال في الدين ، بل أن هذه الثقافة العقيمة صنفت العيب حسب الجنس فهناك تصرفات عيب للمرأة ولكنها لا تدخل ضمن ثقافة العيب للرجل وجرت العادة هكذا وإن كانت حرام شرعاً على الاثنين، والخروج عن إطار هذه الثقافة يعامل كمعاملة المرتد بل قد يكون أشد من ذلك .
ما أردت الحديث عنه هنا ضمن ثقافة العيب هي العلاقات قبل أو أثناء الزواج (خارج إطار الزواج) والتي جعلها البعض متقبلة بالنسبة للرجل فهو معذور في كل الحالات وهنا أتكلم عن نسبة تعتبر كبيرة نوعاً ما ، جزء من المجتمع يضع الأعذار لعلاقات الرجل وعلى رأس قائمة هذه الأعذار تقصير المرأة في أداء واجباتها أو أنها لا تتزين لزوجها كما ينبغي وتطول قائمة الأعذار الملقاة على المرأة لتصبح في النهاية هي السبب وهي من يتجمل تبعات علاقات زوجها خارج إطار الزوجية وهو معذور في كل الأحوال إذن هي فعلت العيب ولكن زوجها لم يقترف الحرام بل هو اضطر لذلك ، وسار الحال على هذا المنوال مجمتع يعيب المرأة من أجل عين الرجل ، مجتمع نسي أن المرأة هي كائن بشري له حقوق إذا أختفت تلك الحقوق قصرت في أداء الواجبات ، وهناك فريق آخر في المجتمع يُظهر بأن هذه العلاقات غير متقبلة ومحرمة شرعاً ولكن ما دامت من رجل فهي متقبلة وأن لم يعلن ذلك وأن عليه أن يتوب ويعود إلى رشده ، هذه العلاقات سواء كانت من رجل أو امرأة يجب ألا تعامل معاملة العيب إذا كان المجتمع يعتمد على الدين في تسيير حياتة فهي إما حرام وإما حلال وليست عيب على المرأة، بينما تسطر الأعذار للرجل .
مسلسل (لو) الذي عرض في رمضان والمستوحى من قصة فيلم (unfaith women) الأجنبي كشف الكثير من الأمور التي لها مكان في المجتمع العربي ولكن السكوت أهون من خراب البيوت ، حيث أن المسلسل أخترق الكثير من النوافذ وأخرج ما يدور خلف الجدران فظهر عيب المرأة بينما وقف الرجل متماسكاً بأعذار المجتمع التي تأتي دائماً لصالحة ، ليلى التي منعت من ممارسة مهنة درست من أجل أن تعمل بها وأطرت حياتها في المنزل وبإنشغال الرجل في مهامه الحياتية فهو دائم التفكير في العمل داخل وخارج المنزل لا يعطي أسرته ذلك الاهتمام الذي يجب أن يكون بين أفراد العائلة ، انفجرت ليلى بعد مرور سنوات عندما صادفت شاب رسام ويحاضر في كلية الفنون فتمسكت به ليعوضها عن ما غاب عنها من مشاعر خلال سنوات فتتمسك به وتبدأ المشكلة (خيانتها لزوجها)، إذا تحدثنا عن الإطار الإنساني المرأة حرمت من ممارسة جزء من حياتها وهو العمل فالرجل يمنع زوجته من العمل حتى تهتم بالبيت وأبنتها وتنتظره هو عندما يعود من عمله فتصبح مجرد آلة يشكلها الرجل يحقق هو طموحه وأهدافه وغاياته في الحياة بينما تبقى هي كأي قطع أثاث داخل المنزل.
فجاءت ردت فعلها بعد عدة سنوات من الرتابة والملل وتكرار المهام ، ردت فعلها كإنسانة بعيداً عن الأحكام الأخرى طبيعية ولكن وفق الضوابط والقوانين الآلهية فهذا الشيء غير متقبل ولا يرضاه المجتمع ولا يتمناه ولكن هذا يجب أن ينطبق على الطرفين الرجل والمرأة فحتى في المسلسل وهو لم يخرج عن الواقع ، جاءت المبررات لصالح الرجل فهو وفر لزوجته كل وسائل الرفاهية والحياة الرغيدة فلماذا خانته بينما تم نفي جزء مهم وهو العلاقات الإنسانية التي غابت بين الزوجين وتحولت إلى علاقة فرضتها الحياة ويجب تقبلها بكل حالاتها (امرأة ورجل وطفلة داخل منزل بمساحة لا بأس بها تعني حياة زوجية مثالية).
إذن علينا أن نعيد صياغة بعض المفاهيم المجتمعية التي تشكلت ضمن ظروف معينة وأن نحتكم للقوانين الآلهية وليس الوضعية ، وما ينطبق على المرأة ينطبق على الرجل والمعاملة بالمثل وأن لا تطلق الأحكام الرجعية على المرأة وتوضع المبررات لأخطاء الرجل .
مسلسل (لو) تطرق إلى مشكلة موجودة ولكن أتمنى أن لا تصبح في حُكم (عادي) بعد بُرهه من الزمن وأعتقد أنها ستكون كذلك ، تطرقي لهذا الموضوع لا يعني أن نتقبل مبررات المرأة بل من باب خلق التوازن للجنسين في إطلاق الأحكام.

(الفضيحة في المجتمع العربي هي إعلان يعلق على جسد المرأة فقط أما الرجل فجسده محصن تاريخياً كالزجاج الذي لا يخترقه الرصاص) نزار قباني

خولة الحوسنية