[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]

لو حاولنا أن نرسم خارطة لطبيعة التحديات ونوعية الإكراهات التي سوف تواجه بلادنا خلال المستقبل المنظور، فهل سوف نجد قضايا جديدة قد استجدت على القضايا القديمة التي كشفتها أحداث عام 2011 أم هي نفسها سواء كانت داخلية أو خارجية؟ من الأهمية الوطنية العليا أن نطرح هذا التساؤل بعد مرور كل عام أو عامين كأقصى حد، فمنطقتنا الإقليمية تشهد تحولات ومتغيرات دراماتيكية متسارعة مما قد يكون لها انعكاسات على شأننا الداخلي، وبالتالي يجب رصدها أولا بأول لمواجهتها وحلها سريعا، ومن الأهمية نفسها إجراء عملية تقييم وتقويم للمنجز ونتائجه وتداعياته ـ إذا ما وجدت ـ وذلك حتى ندير الأحداث ونسيطر عليها حتى لا تفاجئنا.
وقبل إضافة الإكراهات الجديدة المستجدة على خارطة التحديات في بلادنا، سوف نتناول إكراه قديم، بدأ يظهر مؤخرا بعد أن اعتقدنا أنه قد أصبح من مخلفات المرحلة السابقة، وهو فردانية العمل الوزاري واعطاؤه حقوقا لفئة أو لجماعة دون أخرى رغم توافر الظروف والمعطيات الاستحقاقية للحقوق للكل، ولن ننسى، وكيف ننسى تداعيات الأعمال الفردية الحكومية، فأبرزها كان ابتداع (21) جدول للمرتبات ومجموعة صناديق تتباين في منافعها المالية، فهل رجعنا لهذه المرحلة دون وعي؟ ينبغي التشديد في البداية أنه لا مجال لأية مبادرات فردية عشوائية تنشئ حقا ماليًّا أو معنويًّا جديدا دائما لفئة أو لجماعة دون أخرى بمعزل عن المبررات المقنعة، وذلك سوف يرجعنا إلى مرحلة الرغبات المزاجية التي لا تزال تداعياتها جاثمة فوق النفسيات رغم عمليات توحيد الجداول ومنافع صناديق التقاعد، ودون المبادرات الذكية التي تخرج كنتائج للدراسات والأبحاث، سوف نخضع المجتمع كمادة تجريبية يخرج منها نتائج وفق الأهواء والأمزجة التي سوف تبعدنا كثيرا عن معركة كسب القلوب التي قطعت بلادنا فيها أشواطا استراتيجية كبيرة في عدة مجالات، نجدها اكثر إشراقا ولمعانا في حقول التعليم الجامعي والعمل والشباب والمحاولات الجادة المباركة لتحسين معيشة المواطنين، ونظن أن عودة المبادرات الفردية (غير المدروسة) و(غير المتناغمة في الإطار الوطني الواحد) قد بدأت مؤشراتها وعلائمها تظهر من قبل بعض السلطات الحكومية، مثالنا على ذلك، مساعي حصر (40) قائدا اجتماعيا من مجموع أكثر من (2000) قائد بقرار سلطوي وليس عن طريق الانتخابات مثلا أو اية آلية تكون مقبولة معيارية رغم العلم بحساسية هذه الخطوة في المحافظة المستهدفة من هذا التوجه، وكيف إذا ما تزامن معها اعطاؤهم امتيازات مالية إضافية دون غيرهم، فهذه رغبة وزارية وراءها حماس من رئيس مكتب الوزير، ولا نستبعد أن يكون وراءها أيدي خفية .. وهذا التطور لو حدث، فسوف يحدث اختلالات اجتماعية بنيوية عميقة قد يصل بها الأمر إلى حد تفرقة الوحدة الاجتماعية الواحدة المتحدة والمتماسكة، لأن فيها تمييزا فردا دون غيره أو جماعة دون غيرها بحقوق معنوية ومالية من خزينة الدولة، لماذا؟ واين تكمن المصلحة الظرفية أو المستدامة؟ في وقت ينتظر هذه الأموال الآلاف من الباحثين عن عمل والآلاف من شبابنا يتطلعون تحسين أوضاعهم المالية بسبب درجاتهم المالية المتدنية، والآلاف من مخرجات التعليم العالي تنتظر تعديل درجاتهم المتدنية جدا إلى مستوى استحقاقات مؤهلاتهم الجديدة، وجيل كامل في القطاع الخاص يتلهف لتدخل الدولة لرفع مرتباتهم اسوة بما يجري في القطاعين الحكومي والعمومي، ومثالنا كذلك، نجاح بعض الوزراء في استمرار بعض موظفيهم في الخدمة المدنية رغم انتهاء مدتهم القانونية حتى يستفيدوا من جدول المرتبات الجديدة، وهذه بادرة حسنة، وتنم عن تقدير عال بالبعد الاجتماعي والإنساني للموظف الحكومي، لكننا كنا نتمنى أن تكون شاملة عبر توجه وطني عام يستفيد منه الكل، بدلا من إحداث شرخ نفسي عميق بين الموظفين الذين تم إحالتهم للتقاعد وهم في حسرة وألم شديدين، ومثالنا كذلك، غلق الباب رسميًّا أمام أية طلبات لإنشاء جمعيات أو مؤسسات للمجتمع المدني أو فتح فروع لجمعيات خارج مسقط وفي الوقت نفسه يتمكن صاحب نفوذ عالية من كسر هذا المنع، ويحصل على ترخيص بفتح جمعية في إحدى الولايات رغم وجود المنع المؤقت المعلن .. ماذا ينبغي أن نتوقع أن تكون ردة فعل المجتمع المدني من هذه الواسطة الرفيعة المستوى؟ لن نتوقع سوى الاستياء والغضب وعودة الاحتقان، وإذا ما أقدموا على وضع السلطات المحلية أمام الأمر الواقع، فهذا من حقهم، لأن قانون المنع،، المؤقت،، قد فقد مصداقيته وصدقيته، والسبب العمل الفرداني الذي يولد حقوقا في الوقت الذي يحرم الأغلبية من نفس الحقوق رغم توفر الاستحقاقات، ومثال آخر، إنهاء خدمات بعض كبار الموظفين الحكوميين إلى التقاعد من فئة الخبير والمستشار بسب قلة ساعات عملهم اليومية أو بسبب غيابهم عن العمل في وقت تسود ظاهرة الغياب والطويل الاجل إن لم يكن في كل الوزارات، فمعظمها، ونستشهد هنا بقضية حمود الفارسي الذي احيل بقرار قضائي للتقاعد قبيل قانون توحيد جدول المرتبات ومنافع التقاعد، فكيف تكون نفسية هذا الخبير الذي فنى عمره في الخدمة الحكومية ويكون مصيره أخيرا خارج الوظيفة بعد أن قطع عنه الراتب لعدة شهور؟ بالتأكيد الغضب والاستياء لأنه المستهدف بتطبيق القانون دون غيره من الالاف من كبار الموظفين.
هذه التباينات في التصرفات الإدارية ماذا تعني؟ ليس هناك من تفسير لها سوى عودة سياسة حق الوزير في التصرف داخل وزارته بمعزل عن توجه أو سياسة عامة، وبمعزل عن مرجعية إدارية تضبط تصرفاته حتى تخضعها للمسار الوطني الجامع والشامل والمطبق على الكل ـ هذا إذا كنا قد غادرناها ـ قد تكون تصرفات الوزير قانونية .. لكن عدم تطبيق القانون من قبل الوزراء الآخرين تظهر القضية وكأنها شخصية، وقد نجد قضية الفارسي افضل مثال هنا، كما يعني أن ضمانة الحقوق في أمس الحاجة إلى درجة تقاضي ثالثة .. واستمرار هذا الوضع لن يخدم معركة كسب القلوب، ولن يتناغم مع التوجهات الجديدة لعاهل البلاد ـ حفظه الله ورعاه ـ والتي أكد عليها مؤخرا في اجتماع مجلس الوزراء بتلازم البعدين الاجتماعي والاقتصادي، وذلك يعني كذلك، استمرار الفجوة الفكرية لإدارة المرحلة الراهنة في وقت خطير جدا، تكمن اقوى إكراهات الخطورة فيها ارتكاب بعض دول المنطقة كوارث استراتيجية سواء عبر العبث واللعب بالجغرافية اليمينة أو محاولتها اسقاط انظمة شرعية أو زعزعة استقرارها، وهذه فعلا كوارث استراتيجية سترد ارتدادا .. لكن ما هي إكراهاتها على بلادنا؟