شيء ما في الأفق يكبس على صدورنا، يجعلنا نسير وكأننا بين الواقع والوهم في منطقة برزخية كالحلم. شيء ما يثقل نفوسنا ويجعلها ترزح تحت ركام من المخاوف والقلق .
نأكل ونشرب ونتحدث ونعمل ونذهب ونأتي، ولكن شيئا ما في الأفق يضغط على قلوبنا ويعتصر أفئدتنا، ويأخذنا فـــي مساحة بيـــن الواقــع والخيال، والحقيقة والوهم، ثمة شيء ما في الأفق يجعلنا في شرود ذهني تسبح عقولنا في المجهول ، كمــن غاب أبوه أو وقع حبيبه في أزمة لم يجد لها مخرجا . شيء ما في الأفق يجعلنا لسنا كمـا كنـا، فــلا للأكل مـــذاق، ولا للحـــديث أنــس ، ولا للمــوســيقى طرب ولا للســـير وصول ولو وصلــنا .
شيء مـــا في الأفق يكبس على صدورنـــا ويجعلنا لســنا كما كــنا. فـإاذا غابت عــنا روحنا المرحة فلا تستغرب فثمة شيء ما في الأفق ، وإذا خرج أحدهم عـــليك صارخا في وجهك غاضبا متعصبا دون سبب فلا تلومه فثمة شيء في الأفق ، وإذا صمت أحدهم ، لا يتحدث إذا حادثته فلا تبحث عن الأسباب فثمــة شيء في الأفق . واذا زاد قلقــنا وكثر توترنا فلا تلومونا فأيضا ثمة شيء في الأفق، وإذا أغلق شخصا بـــابه مكتئبا ورفض الخروج من داره فثمة شيء في الأفق. وإذا ضاع تركيزنا وتشتت انتباهنا فهناك شيء في الأفـق.
وثمة شي في الافــق ، إذا أتــتـنا الحمـــى ورفضت مغادرتــنا.
قـــلق على قــلق ، أيـــام ثقيلــة مرت علينــا بالإشاعات والأقاويــل التي لم يعرف الكـثير هل يصدقوها أم يكذبوها في ظل غياب الأخبار الرسمية. إلى أن أكد ديـــوان البلاط الســلطاني في بــيان رســمي صادر عنه ، بأن جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في صحة طيبة ولله الحمد ، وقد أجرى الفحوصات الطبية ويتابعها حسب برنامج طبي محدد .
لـينفرج الهم الذي خيم على قــلوبنا وتنجــلي الغمة التي سرت في نفوسنا ، وانتــابتنــا حالـة من مشاعر البهجة والسعادة والطمــأنينة بعد هذا البــيـان الذي جاء بلســما على القلوب وشــفاء للنفوس ، فقد اعـتلت صحتــنا ومرضت أفــئدتـنا في غــياب المعلومة الرسمية الصحيحة وانتشـــار الأقــاويل قبل هذا البـيان المبين . وكيف لا؟ وجلالة السلطان قابوس ـ حفظه الله ورعاه ـ أب الجميع...فمن لا يخاف على أبيه أن يصيبه سوء لا قدر الله أو يخشى عليه من التوجع والألم، كيف لا وجلالة السلطان رمز البلاد وقـائدها ومدبر أمرها وحامي حماها وراعيها وهو في أفئدتــنا ، ونبضات قلوبــنا إذا نطقت، نطقت بمحبة قابوس ، وهو معنا وحولنا في بيوتنا وأعلى مكاتبنا وفي كل تفاصيل المكان والزمان في حياتنا ،فأكثر العمـانيين لم يعرفوا قائدا حاكما غـيره ، أما البقيـة الذين عاشوا فترة ماقبل السلطان، فهي ذكريات بعيدة ، بــاهتة، ولا تحمل البهجة ولا السـرور وإنما بمجيء السلطان قابوس المعظم احتضن الجمـيع، أب لهم وقــائدا كريــما عــادلا. وأحيا في النفــوس الأمــل إلى غد مشرق سعيد... وصوت للنهضة نـادى، صوت السلطان قابوس ـ حفظه الله ـ الذي قال في أول ما قاله إبان توليه الحكم:أيها الشعب سـأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيـشون ســعداء ، جاء وبمجيئه أتى الخير كل الخير على عمان وشعب عمــان، فكيف لا يزيد قــلقنــا ويكبر توترنا ويضعف تركيزنا ويتشتت انتبــاهنا ونحزن ، إذا غاب عنا السلطان، ولا خبر إلا ما هو متداول من أقـاويل من هـنا وهـناك إلى أن جاء الخبر الرسمي الصحيح الذي قطع الشك باليقــين. وانتشــلنا من حــزنــنا وضيقــنا وها هو الخبر الأسعد... بأن جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ـ سيعود الى أرض الوطن قريبــا ولو انه لم يؤكد رسـميا وقت العوده بالتحديد وانــما حتــما ان شــاء الله قريب. ومنذ سماع هذا الخبر السعيد المتداول كثيـرا ومشــاعر الفرح والسعاده تضج بها قلوب العمــانيين وتلهج ألسنتهم بالدعاء أن يحفظ الله جلالته ويوفقه ويرعاه في كل خطوة يخطوها ليعود إلى أرض الوطن سالما معافى.وإذا كان ثمة شيء في الأفق الآن فإنه ليس إلا الأمل والفرح والسعادة بانتظار عودة الســـلطان.