[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
يعاني معهد العلوم الإسلامية بصلالة من مجموعة مشاكل كبيرة، تراكمت وتضخمت حتى دفعت الآن بمجموعة كبيرة من الطلبة إلى تركه وتفضيل التعليم في المدارس الحكومية رغم خصوصية التعليم في المعهد ورغم امتيازاته عن نظيره، والتساؤل الذي يطرح هنا، لماذا تركت المشاكل تتراكم وتتضخم حتى انتجت حالة انسحاب جماعية علما بأنه كانت هناك مؤشرات تؤكد حتمية الوصول إلى الانسحاب الجماعي؟ هذا التساؤل نطرحه على المسئولين والمشرفين على المعاهد الإسلامية في البلاد، وهم يعلمون أوضاعه علم اليقين، ورغم ذلك لم يحركوا جامدا قابلا للحركة، وتركوها اي الأوضاع حتى تصل الآن إلى ما وصلت، فهذا فشل من يتحمله؟ ولماذا لم يتم التدخل سريعا؟
كلنا نعلم أن معهد العلوم الاسلامية بصلالة هو معهد من بين مجموعة معاهد اسلامية منتشرة في عدة ولايات السلطنة، وقد تم انشاؤها بتوجيهات سامية من لدن عاهل البلاد ـ حفظه الله ورعاه ـ وتمنح شهادة دبلوم التعليم العام والعلوم الاسلامية وهي تعادل الدبلوم العام، وهذه الشهادة معترف بها في جامعات عربية ودولية، من هنا، فإن الفشل فيها ولو من زاويتنا الجهوية له دلالات خطيرة، فكيف لو كانت مشاكل المعهد في صلالة هى نفسها في المعاهد الأخرى؟ وهذه المعاهد أوجدت لكي تنجح وبامتياز، ويجب أن لا تعرف الفشل لو جزئيا، ولو مؤقتا، لماذا؟ لأنها تحمل فكر وتوجيهات قائد البلاد وسلطانها لدراسة العلوم الشرعية وذلك لنشر الفكر الديني والثقافي الصحيح، ومن هذه الأهمية السامية تمت إقامة المعاهد في عدد كبير من الولايات، وهناك طلبات بإقامتها في ولايات أخرى وفق توزيع جغرافي محدد، ومن هذه الأهمية السامية، لم تلحق المعاهد بوزارة الاوقاف والشئون الدينية أو زارة التربية والتعليم وإنما بديوان البلاط السلطاني لكي تكون تحت الرعاية السلطانية والدعم المالي والمعنوي المباشر لعاهل البلاد، وهذا ما يتجلى ليس في التوجيهات السامية بإقامة معاهد لتدريس العلوم الشرعية وإلحاقها بالمؤسسة السلطانية وإنما صرف مرتبات شهرية لكل دارس فيها، وتوفير وسائل النقل للطلبة، إذن، لماذا تسير النسخة الظفارية للمعاهد في طريق الفشل؟ نقول في الطريق نحو الفشل، وربما تكون قد قطعت الطريق، ووصلت القضية إلى مراحل متقدمة، دليلنا، انتقال غالبية طلاب صف الثاني عشر (بحتة) ولم يتبق منه سوى (ثمانية) طلاب فقط من أصل (25) طالبا، فيما تقدم طلاب الصف الثاني عشر (تطبيقية) بالانتقال جميعا، ومسلسل طلب الانتقال قد بدأ منذ تأسيس المعهد، لكن بشكل فردي، كانت تفسر لأسباب خاصة، لكن الإعداد بدأت تتزايد تباعا إلى أن وصلت في شكل مجموعات من ثلاثة إلى اربعة ثم تطور الوضع إلى تلك الانسحابات الجماعية المثيرة، وهي التي جعلتنا نفتح هذا الملف المهم، فهذه الانسحابات لن تخدم سمعة المعاهد، ولا يجب أن تحدث في ظل الخلفيات الرفيعة المستوى سالفة الذكر، (نكرر) لأنها تحظى بدعم كبير من لدن المقام السامي، وتشرف عليها إداريا المؤسسة السلطانية، واذا كان هذا طبيعة الوضع في المعهد، فكيف ببقية الأوضاع في بقية المؤسسات التربوية والتعليمية الأخرى؟ هذا التساؤل يخرج من سياق المقارنة، ولا نرجح المشكلة في أن تكون مالية وإنما ادارية خالصة وتقصير على وجه خصوص الخصوص، فمن بين الأسباب التي تؤدي إلى تلك الانسحابات، تعيين معلمي المعهد من حديثي التخرج وتكليفهم بتدريس طلبة الثاني عشر رغم اختلاف المنهج الدراسي عن التعليم العام وكثافته في بعض المواد كاللغة العربية والعلوم الاسلامية، وكذلك نقص عدد المعلمين وانتظار تعيينهم لفترات طويلة مما يسبب ذلك عبئا ثقيلا على الكادر التدريسي رغم قلة عدده، وكذلك تساوي طلبة المعهد مع طلبة الدبلوم العام من حيث فرص القبول في مؤسسات التعليم العالي، وهناك أسباب أخرى مهمة متعلقة بالمحتوى الدراسي ربما الظرفية الاقليمية لن تسمح لنا بفتح هذا الاشكال الآن رغم احتلاله موقعا متقدما ضمن الأسباب الدافعة للانسحاب الجماعي، ومن المفارقات التي اطلعنا عنها أن معهد صلالة للعلوم الاسلامية يتطلع بإلحاح كبير إلى زيارة كبار المسئولين لأقناع الطلبة واولياء أمورهم بعدم الانسحاب، وهذه المطالبة تنم عن خلفيات كثيرة تفهم لذاتها، فكيف لا تفهم إذا كان المطلب الجهوي ملحا على مثل هذه الزيارة وأكثر الحاحا على اعطاء هذا الموضوع اهمية خاصة، وكيف ينبغي أن يفهم إذا كان مدير المعهد لم يتم تعيينه حتى الآن؟ إذن، الطلاب وجدوا في المواد العلمية التي تدرس في المعهد ثقيلة ودسمة ومكثفة مقارنة بنظيراتها في التعليم الذي تشرف عليه وزارة التربية والتعليم، ولم تتوفر لهم الاطر التدريسية المؤهلة التي تملك الخبرة من جهة والكافية العدد من جهة ثانية، وماذا يعني ذلك لهم ؟ يعني أنهم لن يتمكنوا من المنافسة في الحصول على النسبة المئوية العامة أو العلامة المناسبة في المواد للولوج لمؤسسات التعليم العالي وفق التخصصات التي يرغبون بها، فمن يخاطبون، ومدير للمعهد لم يتم تعيينه حتى الآن؟ والمخاطبات في ظل غيابه تأخذ طريق طويل من البيروقراطية المكتبية، فهل هناك رؤية مستقبلية لتطوير معاهد العلوم الاسلامية؟ إذا كان هناك من رؤية فعلى كبار المسئولين الإسراع إلى شرحها للطلبة وأولياء أمورهم للإقناع والحفاظ على العدد المتبقي، ورجوع المعهد اإى جاذبيته المجتمعية .
وإذا لم يكن، فإننا نرى في المرسوم السلطاني رقم (35/2014) بإنشاء كلية العلوم الشرعية وإصدار نظامها رؤية استشرافية يمكن أن تخرج من رحم هذا التطور المهم، وهو مهم، لأنه جاء لحل مشكلة الفراغ واشكالياته التأسيسية، فوجود كلية للعلوم الشرعية متخصصة في ذاتها، هو مطلب وطني لتكوين جيل من العلماء المنفتحين على الخلاف والاختلاف مع الآخر، ومتسامحين مع ذواتهم، ومؤطرين بأسس التسامح والتعايش وفق التعددية الايديولوجية لا الاحادية الاقصائية، وهذا سوف يعتمد على المنهج الاكاديمي للكلية، وهو ينبغي أن يكون وفق فكر الدولة لا فكر ورغبات الافراد والجماعات، ففكرها تعددي شمولي، ومن هذا المنظور، نقترح تحويل المعاهد في الولايات إلى فروع لكلية العلوم الشرعية، بدلا من كونها بمثابة مدارس،، ثانوية،، ولا باس أن تأخذ الصفتين، الأهم أن كل محافظات البلاد في أمس الحاجة الآن إلى مؤسسة أكاديمية لدراسة العلوم الشرعية للزوم التأطير والتأسيس الداخلي وفق منهج الفقه المقارن، والا، فإن البديل سيكون تثبيت وديمومة الخيار الخارجي، والنتائج. كلنا أصبح يعلمها بالضرورة.