مسقط ـ (الوطن):
صدر للدكتور عبدالله بن عباس حديثا كتاب "مسقط الفخر" الذي يعتبره وليد تأملات عاشها لسنوات، امتزجت بذكريات وتجارب وخبرات ملموسة على أرض الواقع، وهو اعتراف بفضل مدينة عاش حبها بين جوانحه، وعمل لأجلها ما يقارب العقدين من الزمان، وهو يراها تنمو رويدا دون عجلة ولا بطء، أي في خطوات مدروسة وبنهج سديد أسس له مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ قائد النهضة العمانية المباركة، ومهندس عمان الحديثة، وعلى رأسها مدينة مسقط العامرة، كما أسماها جلالته، فهذه المدينة ذات التاريخ العريق والحاضر الزاهر والمستقبل المشرق بإذن الله، لها وقعها الخاص في النفوس، وهي إجماع العمانيين في التعلق بها كرمز لوحدة عمان ومركز للبلاد في السياسة والاقتصاد والمعرفة، وكافة أشكال النهضة الحديثة.
لقد جاء هذا الكتاب بعد عمل استمر مع مؤلفه قرابة العامين في التنقيب والتدوين، وهو ليس سجلا علميا في تاريخ مسقط، أو موسوعة بهذا الفهم، أو أنه كتاب عن الجغرافية والتاريخ والمكان بالمعنى الحرفي، إنما هو خلاصة مجموعة من التجارب والمعارف والخبرات الشخصية، وكان أن رجع إلى المصادر والمراجع والكتب متى ما رأى ذلك ضروريا لإبانة أمر ما أو توضيحه، لكن الخلاصة هي سجل يعكس خبرته مع المدينة، ومحاولة لتوضيح الجهود السديدة لجلالة السلطان المعظم ـ أبقاه الله ـ في كتابة تاريخ جديد لمجد مسقط وعزها كمدينة ذات بعد استراتيجي في الحضارة العمانية.

موعد مع التاريخ
قسم الدكتور عبدالله بن عباس مؤلفه "فخر عمان" إلى فصول هي أقرب إلى المحطات التاريخية، أو هي بالفعل محطات مسقط الزمنية التي عاشها حبا بين جوانحه، فكان (موعد مع التاريخ) الذي رأى فيها معشوقته مسقط كائنا حيا، يولد وينمو ويكبر مع السنوات، باحثا عن (أصل كلمة مسقط) وكـ(استحقاق تاريخي) حق للمؤلف أن يقف عنده، وهو استبشار مسقط بالخير، وهي تنتظر الفارس المقدام، لتكون مدينة الحداثة والنور، في الثالث والعشرين من يوليو 1970. وفي نفس الـ(موعد مع التاريخ) يحكي لنا المؤلف (حكاية جديدة لمسقط)، عندما بدأت عمان في استقطاب أبنائها في الداخل والخارج، من أجل البناء والتعمير، استجابة للدعوة التي أطلقها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، وهي الحكاية الجديدة لمسقط، التي لا يستطيع أحد أن يفصلها عن رواية عمان الكبرى، مستحضرا كيف كانت مسقط (عاصمة الإمبراطورية العمانية) متسعة الأطراف في آسيا وأفريقيا. وقد استوقفته (دلالات اختيار مسقط كعاصمة لعمان)، وكيف أن اختيار جلالة السلطان قابوس لمسقط ليعلن فيها ولايته الحكم، هذا اليوم كما شكل تاريخا فاصلا لعمان أجمعها، فهو بالدرجة نفسها شكل تاريخا مركزيا ومهما لمسقط، حيث شهدت (ولادة حقيقية حررتها من قيود وأثقال الماضي) تمنعها من مسايرة العصر بأن تدخل في عمق الحداثة، في الوقت الذي تحافظ فيه على نهجها الحضاري وعراقتها.
ونحن لازلنا على (موعد مع التاريخ) حيث يظهر الدكتور عبدالله بن عباس (نصيب مسقط في حصص التنمية) ويوضح (التخطيط الاستراتيجي والهياكل الاجتماعية) بمسقط، نرى (مسقط والقرن الجديد) و(ما بين لندن ومسقط واستلهام التجارب) حيث يتساءل المؤلف قائلا: "لا ندري هل هو من قبيل الصدفة أم التخطيط المدروس، أن تأتي لندن ومسقط متجاورتين في الاستقطاب كوجهات سياحية، وكأنما يدلل ذلك على الاستفاة من التجربة البريطانية في التخطيط والعمل في المجال البلدي بوجه خاص، حيث يشير السلطان قابوس نفسه إلى أن الفترة التي قضاها في بريطانيا والمقدرة بست سنوات من 1958 إلى 1964م، خاض خلالها تجربة العمل في قطاعات مختلفة.
ويتوقف الـ(موعد مع التاريخ) عند (التحديث .. الأصالة والبساطة).

الجذور العميقة
"الجذور العميقة" عنوان جديد لمحطة جديدة في "مسقط الفخر" بدأه مؤلفه بـ(الذراري الأولى ورحلة التكوين)، تبعها بـ(مئات الرحالة يسجلون انطباعاتهم) ثم كانت (مسقط وألبوكيرك البرتغالي) و(جسر معارف وأطماع استعمارية) بعدها كانت (مسقط في لوحات المصورين والرسامين) ثم (صلات مع القارة الجديدة) و(أحداث وأنواء مناخية في قرون سابقة) واختتمها بـ(أكثر من قراءة وحكاية).
يقول الدكتور عبدالله بن عباس في (الذراري الأولى ورحلة التكوين): كل شجرة قوية ونابضة بالحياة، لابد لها من جذور عميقة ترسخ في باطن الأرض وتسندها إلى الأعلى، إلى الهواء الطلق والسماوات العالية، ذلك شأن مسقط، التي تذهب بعيدا في باطن تربة التاريخ الإنساني والحضاري؛ لتدلل على ذاتها منذ القدم، وذلك شأن المدن ذات العراقة والأصالة، بجذورها التي لا تقتلعها رياح الزمن العابرة.
ومن يدخل متحف بيت البرندة بولاية مطرح في محافظة مسقط ـ الذي أعيد افتتاحه في ديسمبر 2006م ـ سوف يشهد صورة مصغرة، كبيرة في مضامينها عن تاريخ هذه المدينة العريقة بكل ما تحمله الكلمة من دلالات، حيث سيقف على مقاربة لطيفة تشير إلى أن جذور مسقط البعيدة، كأنها مرتبطة بتشكيل هذا الكوكب نفسه الذي نعيش فيه، وهو أمر وإن كان فيه شيء من المبالغة، إلا أنه يؤشر لمعان كثيرة عن مغزى أن يكون مكان معين له ما له من الشواهد والحضور في الحضارة.

قبيل الفجر
وإلى محطة جديدة، وفجر جديد (عصر النهضة المباركة) يأخذنا الدكتور عبدالله بن عباس في مؤلفه (مسقط الفخر) إلى (مطلع القرن العشرين)، مبينا (الأوضاع الاقتصادية قبل النهضة) و(ضعف مقومات المدنية والتحضر) ثم (البحث عن الماء) يتبعه (مطار بيت الفلج) فـ(الكهرباء والإنارة) ثم (الخدمات الصحية) موضحا (إيجابيات في الحياة الاجتماعية) و(الإدارة والمؤسسات قبل 1970م) مختتما بـ(إرهاصات التغيير).

مطلع القرن العشرين
إذا كنا قد تنقلنا في صورة مسقط عبر القرون الماضية، وكيف أنها خرجت في لحظة ما غير محددة الدقة إلى الوجود، وكأنها ولدت مع ميلاد الأرض والبحار والجبال، وشهدنا كيف أنها صارت مدينة يشار لها بالبنان في التاريخ القديم، إلى العصور الحديثة بوصفها ميناء تجاريا وملتقى حضريا، يعكس ثراء الحضارة العمانية وقدرتها على التعايش والتواصل مع العالم، فهنا نتعرف على صورة المدينة قبيل فجر النهضة التي قادها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ لنعرف حجم النقلة التي عاشتها مع إشراقة الدولة الحديثة، كيف ارتقت وارتفع شأنها وأصبحت مدينة عصرية مستوفية الشروط.

مسقط في عهد النهضة
وفي (مسقط في عهد النهضة) نرى (الطائر يحلق من جديد) فـ(الرؤى الأولية لتطوير مسقط) ثم (تطوير الميناء) والـ(مجمع الواحد للخدمات والوزارات) بعدها تكون الـ(متابعة عن كثب) ثم الـ(توسع الأفقي والسكاني) و(تطور الطرق وشبكة المواصلات) و(تطور التنظيم الإداري) ثم تأتي (من العاصمة إلى مسقط) فـ(مدينة لكل شيء) ثم (المتاحف الحديثة) و(البعد الحضري والتنمية الاجتماعية) وتأتي الـ(حداثة وعقد اجتماعي / حضاري جديد) ثم تظهر (مسقط والتنمية الخضراء). وبعدها تتوالى المحطات عن (تطور بلدية مسقط) و(تجربة مع العمل البلدي) و(مهرجان مسقط .. الوعد والطموح) حتى نصل إلى (استشراف مستقبل مسقط)