[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
”.. لعل من الحقائق المتوجب التذكير بها دوما أن الهوية الفلسطينية تحققت من خلال البدقية وليست من المفاوضات. كذلك هو الاعتراف الصهيوني بوجود الشعب الفلسطيني ومن قبل كان ينكره. الاعتراف الدولي الواسع بشعبنا وحقوقه. لم يفشل أهداف إسرائيل من عدوانها الفاشي الأخير على القطاع سوى نهج المقاومة والتصدي وليس نهج المفاوضات.”

مباشرة، بعد الاتفاق مع الكيان الصهيوني على وقف إطلاق النار في العدوان الأخير على قطاع غزة، بادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بطرح خطة جديدة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، اصطلح على تسميتها "بخطة عباس". الخطة وفقا لمسؤول فلسطيني: كسبت موافقة القيادة الفلسطينية وجرى التشاور بشأنها مع حركة حماس ووافقت عليها، الخطة، بعد الخطوة الأخيرة أطلق عليها "المبادرة الفلسطينية". الخطة تتألف من ثلاث مراحل، الأولى: إعطاء الأميركيين مدة زمنية تمتد أربعة أشهر يطلب فيها من إسرائيل: عرض خريطة لحدودها. المرحلة الثانية: إن رفضت إسرائيل ذلك، تقوم القيادة الفلسطينية وتحت المظلة العربية، بعرض الأمر على مجلس الأمن لاستصدار قرار يطالب بإجلاء إسرائيل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال فترة محدودة زمنيا. أما إذا فشل هذا الأمر فسيتم اللجوء الى الخيار الثالث: انضمام السلطة الفلسطينية إلى جميع المنظمات الدولية بما فيها محكمة الجنايات وستباشر السلطة في محاكمة قادة إسرائيل. الخطة سيجري طرحها على الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة وبحضور الرئيس الفلسطيني شخصيا.
الولايات المتحدة وقبيل اجتماع صائب عريقات بكيري منذ مدة، سارعت إلى رفض الخطة متهمة الجانب الفلسطيني " بطرح مبادرة أحادية الجانب ودون التنسيق والتوافق مع الجانب الإسرائيلي، كضم إسرائيل لأراض في الضفة الغربية. كل هذه الخطوات غير بناءة". هذا ما يبدو كان السبب الرئيسي لتعديل مراحل الخطة، والتوجه مباشرة إلى الجمعية العامة، دون الذهاب في البداية إلى مجلس الأمن ( مثلما جاء في مراحل الخطة) توقعا لتصويت واشنطن بالفيتو في مجلس الأمن، وبالتالي منع إحراجها من قبل الطرف الفلسطيني!
نعتقد أن الرئيس الفلسطيني نفسه غير مقتنع بإمكانية نجاح خطته، إلا إذا كان يراهن على أن جوهر اسرائيل وحليفتها الأميركية يبدوان على غير ما هما فيه! مثل: إمكانية جنوح الكيان للسلام، وإمكانية أن تكون الولايات المتحدة وسيطا (نزيها) في الصراع الفلسطيني العربي ـ الصهيوني! إن كان الرئيس عباس يدرك حقيقة الحليفتين ويقوم بطرح مبادرته فتلك مصيبة، وإن كان لا يدرك فالمصيبة أعظم!. ليس المهم هو طرح المبادرات من أجل " الإلهاء السياسي " فقط، وإنما النضال وتطبيق الاستراتيجية والتكتيك السياسي القادرين على إجبار الكيان الصهيوني وحليفه الأميركي على الاعتراف بحقوق شعبنا الوطنية، ومنها الحق في إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة.
السلطة (ومن قبلها القيادة المتنفذة في منظمة التحرير قامت بتوقيع اتفاقيات أوسلو المشؤومة) مارست المفاوضات لواحد وعشرين عاما ... ما الذي كسبته؟ لا شيء، سوى المزيد من التعنت والاشتراطات التعجيزية الجديدة الإسرائيلية مقابل وعود غير مبهمة ولا واضحة المعالم، وعود براقة مثل السراب، يحسبها الظمآن ماء فإن أتاه يجده شيئا آخر هو اللا شيء!. أما آن الأوان للسلطة وللرئيس الاستفادة من تجربة المفاوضات؟ ومن الإثباتات الكثيرة لانحياز واشنطن الكامل للكيان الصهيوني؟.
قرارات كثيرة صدرت عن الأمم المتحدة حول إنشاء الدولة الفلسطينية منها قرار التقسيم، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتبعية القدس الشرقية للأراضي المحتلة، ولا شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولم يجر تطبيق أي من هذه القرارات. ثم إن هناك 132 دولة تعترف بالحقوق الوطنية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، وبين معظم هذه الدول وبين السلطة الفلسطينية علاقات وتمثيل دبلوماسي، فهل أجبر كل ذلك الكيان الصهيوني على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية ؟ نحن لا نقلل أو ننتقص من إيجابيات هذا الاعتراف الدولي البالغ الأهمية والضروري بامتياز للسياسة الفلسطينية، ولكن نريد تقييم القضايا وإمكانيات تحقيقها واقعا وتطبيقها عمليا على الأرض، وبالتالي: انتهاج الطريق المؤدية للحقوق الوطنية وللدولة الفلسطينية العتيدة .
ولعل من الحقائق المتوجب التذكير بها دوما أن الهوية الفلسطينية تحققت من خلال البدقية وليست من المفاوضات. كذلك هو الاعتراف الصهيوني بوجود الشعب الفلسطيني ومن قبل كان ينكره. الاعتراف الدولي الواسع بشعبنا وحقوقه. لم يفشل أهداف إسرائيل من العدوانها الفاشي الأخير على القطاع سوى نهج المقاومة والتصدي وليس نهج المفاوضات. العالم كان يتعامل مع شعبنا قبل ثورته كلاجئين مساكين يستحقون العطف والشفقة!، لم تتغير هذه النظرة إلا من خلال الثورة الفلسطينية فقط، وليس من خلال المناشدة والاستعطاف والرجاء والمفاوضات!. الحقوق مجردة من القوة القادرة على الدفاع عنها وحمايتها وتحويلها الى واقع والاعتراف بها كمن لا يمتلك أسنانا للأكل، يضطر الإنسان إلى أكل الغذاء المطحون وشرب السوائل ويظل محروما من الطعام العادي.
بالتالي لا فائدة من حقوق غير مدعومة بقوة السلاح، هذه حقيقة أولى. أما الثانية: فإن كل تجارب العالم التحررية أثبتت صحة ما نقول. الدين الإسلامي الحنيف هو أيضا يحض على قتال الأعداء والإعداد لذلك "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم". "يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال" وغير ذلك من الآيات الكريمة.
يبقى السؤال: لماذا رهنت السلطة، الانضمام إلى المنظمات الدولية ومن ضمنها محكمة الجنايات، بفشل الخطة (المبادرة) ؟... ثم ألا يشكل ذلك حرمانا للفلسطينيين من استعمال حق طبيعي لهم تخشاه إسرائيل ويشكل عاملا ضاغطا عليها؟ ثم أتراهن السلطة على نجاح مبادرتها؟ وإلى متى سيظل نهج المفاوضات الخيار الوحيد للسلطة؟ أسئلة ندرك تماما أجوبتها، غير أننا نضعها برسم الإجابة عنها من قبل القائمين على السلطة ومن الرئيس عباس شخصيا ومن كل الذين يؤمنون في القيادة الفلسطينية بإمكانية نجاح هذه الخطة، أو في أنها على الأقل ستحرج إسرائيل وحليفتها الأميركية.