[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
” لاحظ صاحبي ضرورة أن أحمل معي صورة للرئيس السابق "صدام حسين" بالبزة العسكرية لأعلقها حيثما سكنت هناك على سبيل الحذر. والطريف هو أن أحد الأطفال من اصدقاء أولادي في المدرسة الإبتدائية رأى صورة "الرئيس" مرتدياً البزة العسكرية معلقة على الجدار، فابتسم الطفل وقال لولدي: يبدو ابوك وسيماً جداً بالملابس العسكرية؟" فأجاب ولدي انها صورة "صدام حسين"، وليست صورة والدي.”
ـــــــــــــــــــــ
أرعبني أحدهم وأنا أخرج، منتشياً، من دائرة البعثات حاملاً أمراً وزارياً بضمي إلى الزمالة الدراسية التي تقدمها حكومة الهند للعراقيين كل عام، إذ همس أحدهم في أذني "عليك أن تحذر وأنت تدرس في الهند من عيون أجهزة المخابرات". ولم يكذب هذا الصديق، إذ كانت الحكومة العراقية ترسل العيون والمراقبين إلى كل مكان في العالم لمراقبة العراقيين، طلاباً أو تجاراً أو عاملين في حقول أخرى، بل وحتى لرصد الدبلوماسيين الذين ترسلهم الحكومة بنفسها.
لاحظ صاحبي ضرورة أن أحمل معي صورة للرئيس السابق "صدام حسين" بالبزة العسكرية لأعلقها حيثما سكنت هناك على سبيل الحذر. والطريف هو أن أحد الأطفال من اصدقاء أولادي في المدرسة الإبتدائية رأى صورة "الرئيس" مرتدياً البزة العسكرية معلقة على الجدار، فابتسم الطفل وقال لولدي: يبدو ابوك وسيماً جداً بالملابس العسكرية؟" فأجاب ولدي انها صورة "صدام حسين"، وليست صورة والدي. صادف ذلك أثناء غزو صدام للكويت، وما أعقبها من اهتمام إعلامي عالمي تمحور حول شخصية الغازي حيث اصبحت صورته شائعة عبر الآنية الإخبارية والصحفية عبر العالم، والجميع يتذكر الزوبعة الإعلامية سنة 1990-1991. المشكلة كمنت في أن الطفل، رفيق أولادي في المدرسة، قد تصور بأني من أقارب صدام، إذ إنه أشاع هذه الفكرة بين بقية الأطفال في مجمع الشقق الذي كنا نسكنه.
كنت آنذاك أحافظ على شاربين يشبهان شاربي الرئيس السابق، إذ أردف ولدي للصبية بأن العراقيين جميعهم أقارب، الأمر الذي جعلهم يأخذون الشبه بين شكلي وصورة الرئيس السابق دليلاً على صلة القرابة. وكانت نتيجة ذلك من "عجائب الهند"، بحق. حتى إن اشتعلت حرب تحرير الكويت، إذ بالهنود شباناً ونساءً وشيوخاً يعدونني مناهضاً "للإمبريالية الأميركية"، درجة أني كلما غادرت شقتي متوجهاً لمكتبة المعهد الذي كنت أدرس فيه، ألاحظ شيئاً من الاهتمام غير الطبيعي بلغتهم، من بين سواها من شعارات الثوريين واليساريين الهنود، وهم كثر هناك. أما أنا، فكان علي أن أرد التحية بشيء من الاعتداد والاستحسان! فكان الأمر شديد الإحراج لي ولأولادي وزوجتي.
أما أغرب ما حملته الصورة إلى حياتي في سنوات الابتعاث تلك، فكانت طرقاً على باب شقتي من عجوز هندية يرافقها ابنها الشاب الضخم، إذ طلبت مني "حمايتها" من عصابة تهدد حياة ابنها. وإذا كنت قد سألتها ما الذي جاء بها إلي وليس إلى مركز الشرطة، أجابت السيدة العجوز، بان السبب هو: "أنك رجل قوي"! قالت هذا وقد كان ولدها الشاب، القوي فعلا، يمحص النظر على ساعدي وفي الشاربين الأسودين اللذين يذكرانه بصدام حسين، علماً بأنه كان يلقي علي بنظرة ثم يتبعها بنظرة أخرى إلى أعلى الحائط، اي إلى حيث تتعلق صورة صدام، لملاحظة الشبه الشكلي.
واذا كانت الصورة أعلاه قد حمتني من الزيارات المفاجئة لعيون المخابرات العراقية آنذاك، فإنها أوقعتني، في آن واحد، بشرك الإحراجات من النوع أعلاه، زيادة على تتابع مراسلي الصحف للاستئناس بآرائي حول الحرب التي كانت قاب قوسين أو أدنى. وهكذا قادتني الصورة إلى ما لا تحمد عقباه، أحياناً.