إن امتلاك الطاقة النووية السلمية أضحى يستقطب اهتمامًا كبيرًا لكثير من الدول الساعية إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، متطلعة في سبيل اقتناء هذه التكنولوجيا إلى التخلص من تبعات ما يعتور مصادر الطاقة الأخرى من تقلبات في الأسعار تبعًا للعرض والطلب، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الرغبة العارمة في التوظيف السلمي والآمن للتكنولوجيا النووية في جوانب كثيرة منها الزراعة والطب وإنتاج الكهرباء. ويعدان هذان الجانبان أحد الأسباب التي دفعت حكومات دول إلى اعتبار الطاقة النووية السلمية خيارًا مهمًّا وبديلًا يمكن الاستعاضة به وتخفيف الاعتماد على النفط والغاز، في ظل ما يتعرض له النفط من عدم استقرار في الأسعار التي ترتبط بالتطورات السياسية والاقتصادية العالمية، إلى جانب المضاربات به في الأسواق العالمية. مع عدم إغفال جوانب مهمة توفرها الطاقة النووية في عالم الاقتصاد والاستقرار المعيشي، فهي على الرغم من جملة الشكوك التي تحوم حولها بالنظر إلى إمكان تحولها عن سلميتها إلى إنتاج أسلحة ذرية، أو مخاوف ما يمكن أن تسببه من تلوث إشعاعي ـ كما حدث مؤخرًا في اليابان على سبيل المثال ـ وصعوبة التخلص من النفايات المشعة، فإن مساهمتها في دفع عجلة التنمية وتحريك تروس الاقتصاد لا سيما في توليد الكهرباء وإنتاج المياه والطب وازدهار الزراعة ومساهمتها في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، قد غدت أمرًا ملموسًا لا يمكن القفز عليه.
إلا أن اقتناء التكنولوجيا النووية وطبيعة استخدامها ـ رغم فوائدها الجمة التي لا يمكن إنكارها ـ أصبحت محل شكوك من قبل القوى الكبرى إذا ما سعت دول وخاصة دول العالم الثالث إلى الاستفادة منها، بل إن هذه القوى ونتيجة لكم الشكوك ومدى الأنانية التي تعتري سياساتها تحاول بكل قوة احتكار هذا الحق لها، ليس خوفًا من أن تتحول إلى طبيعة الاستخدام إلى اتجاه غير سلمي أكثر من أن تستقل الدول الطامحة إلى الاستفادة من الطاقة النووية السلمية في مصادر إنتاجها وعيشها فتصبح مكتفية ذاتيًّا، أو تضاهي الدول الكبرى في صناعاتها وإنتاجاتها فتتحول إلى منافس لصناعات وإنتاجات الدول الكبرى.
ولذلك فإن العالم بحاجة إلى المصداقية والشفافية في التعامل والمكاشفة بشأن التوجه إلى استخدام هذا النوع من الطاقة من قبل الدول الساعية إلى توظيف الطاقة النووية السلمية، كما أن العالم بحاجة ماسة إلى تخلي الدول الكبرى عن سياسة الاحتكار والأنانية، وذلك لبناء الثقة بين هذه الدول والوكالة الدولية للطاقة الذرية المعنية بذلك، ولبناء جهوزية تامة لمواجهة أي مخاطر تنتج عن استخدام هذه الطاقة.
وأمام الدورة الثامنة والخمسين للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت السلطنة في كلمتها التي ألقاها أمس سعادة السفير الشيخ الدكتور بدر بن محمد الهنائي سفير السلطنة لدى جمهورية النمسا ومندوبها الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن أهمية التعاون الإقليمي والدولي للاستعداد والاستجابة للطوارئ النووية والإشعاعية بات أمرًا ضروريًّا لا يمكن الاستغناء، وذلك في ضوء الحوادث الماضية التي قد بَيَّنَت أن أية دولة، مهما كانت قدراتها وتقدمها التكنولوجي، لا يمكن أن تواجه وحدها مخاطر الحوادث النووية التي قد تمس أراضي وأجواء أكثر من دولة، وأن السلطنة تسعى بجِدٍّ لتعزيز البنية الأساسية للتأهب والتصدي للطوارئ النووية والإشعاعية من خلال مشروع وطني للتعاون التقني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وما من شك أن هذا التعاون يحتم توافر مصداقية وشفافية في التعامل والتعاون من قبل الجميع مع المنظمات الدولية، وهذا ما أكدت عليه السلطنة في كلمتها أمس لافتة الانتباه إلى أن الإدارة المستدامة للموارد المائية تعتبر من أكبر التحديات التي يواجهها العالم في القرن الحادي والعشرين، وأن السلطنة بالتعاون مع الوكالة الدولية ودعمها تولي اهتمامًا بالغًا لضمان توفّر المياه واستغلالها استغلالًا أمثل يُلبي احتياجاتها الحالية والمستقبلية ضمن مسارها التنموي المستدام.