[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
بعد قيام ثورة 1952م، كلف مجلس قيادة الثورة رئيس الوزراء علي باشا ماهر بتشكيل لجنة لوضع دستور جديد للبلاد بديلا عن دستور 1923م، الذي وضع في العصر الملكي ومصر تحت الاحتلال الإنجليزي ولم يعد يناسب الفترة الثورية. ضمت اللجنة السنهوري باشا أستاذ القانون الدستوري وخمسين من أبرز الشخصيات السياسية والثقافية والقضائية، وانتهت اللجنة من المسودة نهاية عام 1954م وقدمتها لمجلس قيادة الثورة، ويبدو أنها لم ترق للثوار؛ حيث تضمنت حديثا عن عودة الأحزاب ودور الجيش وطريقة تداول السلطة, ما اعتبره "الضباط الأحرار" إعادة إنتاج للعهد البائد الذي ثاروا ضده، وطلبوا من السنهوري إدخال تعديلات عليها، وفي الأخير تم تجاهل هذه المسودة وأهملت حتى طواها النسيان، إلى أن عُثر على نسخة منها في أواخر تسعينيات القرن الماضي، داخل صندوق مهمل بـ"بدروم" المعهد العالي للدراسات العربية الذي كان السنهوري أول مدير له, وقام الصحفي صلاح عيسى بنشرها بجريدة القاهرة مع شرح قانوني للمستشار طارق البشري.
بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر في الـ28 من سبتمبر 1970م، تولى السلطة نائبه محمد أنور السادات، وفقا للدستور المؤقت الصادر في العام 1965م، بعد ترشيح أغلبية أعضاء مجلس الشعب ونيله الموافقة الشعبية من خلال الاستفتاء.
في الـ20 من مايو 1971م طلب السادات من مجلس الشعب وضع دستور دائم للبلاد، والذي تضمن صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية بإعطائه الحق في إعلان الحرب وحالة الطوارئ وحل البرلمان، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة والشرطة والقضاء وفوضه في إبرام الاتفاقيات الدولية واختيار رئيس الوزراء والوزراء وإقالتهم ـ كل ذلك دون الرجوع للبرلمان ـ ولكنه أعطى لرئيس الجمهورية فترتين رئاسيتين فقط مدة كل منهما ست سنوات.
سعى السادات للخروج من عباءة عبدالناصر وضاق ذرعا بالقيود والمبادئ الاشتراكية، فتخلص من مراكز القوى والاتحاد الاشتراكي، وأطلق على نفسه لقب الرئيس المؤمن، وبدأ يتجه إلى إقامة علاقات مع الغرب وأميركا ويبتعد عن الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، وانتهج سياسة الانفتاح الاقتصادي وحرية التجارة وقرر إعادة الأحزاب السياسية.
بعد نصر أكتوبر 1973م ازدادت شعبية السادات، وظهرت إلى جانبه قرينته جيهان السادات التي كانت أول من حمل لقب سيدة مصر الأولى، وقامت بجهود كبيرة في رعاية جرحى ومصابي الحرب، ونجحت في تغيير قوانين الأحوال الشخصية لصالح المرأة، وأقنعت السادات بزيادة المقاعد المخصصة للنساء بمجلس الشعب.
في يوليو 1980م، كان السادات على مشارف إنهاء مدته الرئاسية الثانية، وكان عائدا لتوه من كامب دافيد بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل التي انقسم المصريون إزاءها إلى فريقين؛ فريق مؤيد معتبرا أنها ستحل مشاكل مصر الاقتصادية وتضعها في مصاف الدول الغنية، وفريق معارض اتهم السادات بالخيانة وبيع القضية الفلسطينية والارتماء في أحضان إسرائيل والأميركان.
كانت أغلبية مجلس الشعب المصري من المؤيدين للسادات، وأطلقوا عليه لقب بطل الحرب والسلام، ومن بينهم العضوة فايدة كامل وهي مطربة سابقة اشتهرت بأداء الأغاني الوطنية وكانت زوجة اللواء النبوي إسماعيل آخر وزير داخلية في عهد السادات، وكانت تتمتع بشعبية كبيرة في دائرتها الانتخابية بمنطقة السيدة زينب؛ نظرا للمساعدات والخدمات التي حرصت على تقديمها لسكان الحي الفقراء.
كانت فايدة كامل أقدم أعضاء البرلمان؛ حيث جلست ثلاثين عاما تحت القبة وبهذه الصفة تقدمت بمشروع قانون لرئيس المجلس الدكتور صوفي أبوطالب لتعديل المادة 77 الخاصة بفترات الرئاسة، لتكون مدى الحياة، واصطدم طلبها بالنص الدستوري، وبعد مداولات ومحاولات، قررت اللجنة التشريعية الاستعانة بمجموعة من الفقهاء الدستوريين الذين تفتق ذهنهم عن حل جهنمي للخروج من المأزق الدستوري، عن طريق إزالة التاء المربوطة من كلمة "مدة" والاستعاضة عنها بحرف الدال لتصبح "مدد" وأصبح النص كالتالي: "مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء، ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورة لمدد أخرى".
لم يستفد السادات ـ الذي حزن لتصويت 60 ألفا من المصريين بـ"لا" مقابل موافقة 7 ملايين ـ من هذا التعديل الدستوري أكثر من سنة يتيمة؛ حيث اغتيل في الـ6 من أكتوبر 1981م، وخلفه نائبه حسني مبارك الذي حرص على صيانة الدستور واحترامه وعدم الاقتراب من نصوصه، وظل يحكم مصر لمدة ثلاثين عاما ويتمتع بصلاحيات مطلقة لم يطلبها أو يسعى إليها، بموجب هذا الدستور الذي تحمل وزره السادات واستفاد منه مبارك.